للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يعني وهو إله السموات وإله الأرض. وقيل: معناه وهو المعبود في السموات وفي الأرض. وقال محمد بن جرير الطبري: معناه وهو الله في السموات يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ في الأرض. وقال الزجاج: فيه تقديم وتأخير تقديره وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض. وقيل: معناه وهو المنفرد بالتدبير في السموات وفي الأرض لا شريك له فيهما. والمراد بالسر، ما يخفيه الإنسان في ضميره فهو من أعمال القلوب وبالجهر ما يظهره الإنسان فهو من أعمال الجوارح والمعنى: أن الله لا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ يعني من خير أو شر، بقي في الآية سؤال وهو أن الكسب إما أن يكون من أعمال القلوب وهو المسمى بالسر أو من أعمال الجوارح وهو المسمى بالجهر فالأفعال لا تخرج عن هذين النوعين يعني السر والجهر فقوله ويعلم ما تكسبون يقتضي عطف الشيء على نفسه وذلك غير جائز فما معنى ذلك وأجيب عنه بأنه يجب حمل قوله ويعلم ما تكسبون على ما يستحقه الإنسان على فعله وكسبه من الثواب والعقاب والحاصل فيه أنه محمول على المكتسب فهو كما يقال: هذا المال كسب فلان أي مكتسبه ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه ذكره الإمام فخر الدين.

[سورة الأنعام (٦): الآيات ٤ الى ٧]

وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)

وَما تَأْتِيهِمْ يعني أهل مكة مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ يعني من المعجزات الباهرات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وغير ذلك وقيل المراد بالآيات آيات القرآن إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ يعني إلا كانوا لها تاركين وبها مكذبين فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ يعني بآيات القرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أتى به من المعجزات لَمَّا جاءَهُمْ يعني لما جاءهم الحق من عند ربهم كذبوا به فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يعني فسوف يأتيهم أخبار استهزائهم إذا عذبوا في الآخرة.

قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا الخطاب لكفار مكة يعني ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتي كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يعني مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم الماضية والقرون الخالية. والقرن الأمة من الناس وأهل كل زمان قرن سموا بذلك لاقترانهم في الوجود في ذلك الزمان وقيل سمي قرنا لأنه زمان بزمان وأمة بأمة واختلفوا في مقدار القرن، فقيل: ثمانون سنة. وقيل: ستون سنة. وقيل: أربعون سنة. وقيل: مائة وعشرون، وقيل: مائة سنة. وهو الأصح لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشر المازني: إنك تعيش قرنا فعاش مائة سنة. فعلى هذا القول: المراد بالقرن أهله الذين وجدوا فيه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم يعني أصحابي وتابعيهم وتابعي التابعين مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ يعني أعطيناهم ما لم نعطكم يا أهل مكة وقيل أمددناهم في العمر والبسطة في الأجسام والسعة في الأرزاق مثل إعطاء قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً مفعال من الدر يعني وأرسلنا المطر متتابعا في أوقات الحاجة إليه والمراد بالسماء المطر سمي بذلك لنزوله منها وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ يعني:

وفجرنا لهم العيون تجري من تحتهم والمراد منه كثرة البساتين فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ يعني بسبب ذنوبهم وكفرهم وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ يعني وخلفنا من بعد هلاك أولئك أهل قرن آخرين وفي هذه الآية ما يوجب الاعتبار والموعظة بحال من مضى من الأمم السالفة والقرون الخالية فإنهم مع ما كانوا فيه من القوة وسعة

<<  <  ج: ص:  >  >>