ثُمَّ يَطْمَعُ أي يرجو أَنْ أَزِيدَ أي أزيده مالا وولدا وتمهيدا كَلَّا أي لا أفعل ولا أزيده قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله وولده حتى هلك إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً أي معاندا والمعنى أنه كان معاندا في جميع دلائل التوحيد والقدرة والبعث والنبوة منكرا للكل، وقيل كان كفره كفر عناد وهو أنه كان يعرف هذا بقلبه وينكره بلسانه وهو أقبح الكفر وأفحشه سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً يعني سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الصعود عقبة في النار يتصعد فيها الكافر سبعين خريفا ثم يهوي فيها سبعين خريفا فهو كذلك أبدا» أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله سأرهقه صعودا. قال هو جبل من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت وقال الكلبي: الصعود صخرة ملساء في النّار يكلف الكافر أن يصعدها لا يترك يتنفس في صعوده يجذب من أمامه بسلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع من حديد فيصعدها في أربعين عاما، فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها، ثم يكلف أن يصعدها يجذب من أمامه، ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبدا قوله عز وجل إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ أي فكر في الأمر الذي يريده ونظر فيه وتدبره ورتب في قلبه كلاما، وهيأه لذلك لأمر وهو المراد بقوله وَقَدَّرَ أي وقدر ذلك الكلام في قلبه وذلك أن الله تعالى لما أنزل على نبيه صلّى الله عليه وسلّم حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ إلى قوله الْمَصِيرُ قام النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجد يصلي والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي صلّى الله عليه وسلّم لاستماعه أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه من بني مخزوم فقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلي ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد ولتصبون قريش كلهم فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه فانطلق حتى جلس إلى جنب الوليد حزينا فقال له الوليد ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟
فقال وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك، ويزعمون أنك زينت كلام محمد، وأنك تدخل على ابن أبي كبشة، وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهم. فغضب الوليد وقال: ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدا؟ وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام حتى يكون لهم فضل طعام ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه، فقال لهم تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا اللهم لا، قال تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه قط تكهن؟ قالوا اللهم لا قال تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا اللهم لا قال تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب، قالوا اللهم لا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمى الأمين قبل النبوة لصدقه، فقالت قريش للوليد فما هو فتفكر في نفسه، ثم قال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل، وأهله، وولده، ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر. فذلك قوله عز وجل: إِنَّهُ فَكَّرَ أي في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن وقدر في نفسه ماذا يمكنه أن يقول في محمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن.
فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨)
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ أي عذب، وقيل لعن كيف قدر وهو على طريق التعجب والإنكار والتوبيخ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ كرره للتأكيد، وقيل معناه لعن على أي حال قدر من الكلام ثُمَّ نَظَرَ أي في طلب ما يدفع به القرآن ويرده ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ أي كلح وقطب وجهه كالمهتم المتفكر في شيء يدبره ثُمَّ أَدْبَرَ أي عن الإيمان وَاسْتَكْبَرَ أي حين دعى إليه فَقالَ إِنْ هذا الذي يقوله محمد ويقرؤه إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يروى ويحكى عن السحرة إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ يعني يسارا وجبرا فهو يأثره عنهما الله قال الله تعالى: سَأُصْلِيهِ أي سأدخله