فقد خاب، وخسر وقوله وإذا شيك هذا فعل ما لم يسم فاعله، تقول شاكته الشوكة إذا دخلت في جسمه والانتقاش إخراج الشوكة من الجسم وإنما كان سؤال المشركين للدينار ولم يطلبوا التوبة والمغفرة ونعيم الآخرة لأنهم كانوا ينكرون البعث وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي وما له في الآخرة من حظ ولا نصيب.
[[سورة البقرة (٢): آية ٢٠١]]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ يعني المؤمنين. واعلم أن الله تعالى قسم الداعين فريقين البعث: فريق اقتصروا في الدعاء على طلب الدنيا وهم الكفار لأنهم كانوا لا يعتقدون البعث والآخرة، والفريق الثاني: هم المؤمنون الذين جمعوا في الدعاء بين طلب الدنيا والآخرة وذلك لأن الإنسان خلق ضعيفا محتاجا لا طاقة له بآلام الدنيا ومتاعبها فالأولى له أن يستعيذ بالله من شرها وآلامها لأنه لو اضطرب على الإنسان عرق من عروقه، لشوش عليه حياته في الدنيا، وتعطل عن الاشتغال بطاعة الله تعالى فثبت بذلك أن طلب الدنيا في الدعاء من أمر الدين، فلذلك قال الله تعالى: إخبارا عن المؤمنين: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً قيل: إن الحسنة في الدنيا عبارة عن الصحة والأمن والكفاية والتوفيق إلى الخير والنصر على الأعداء والولد الصالح والزوجة الصالحة (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» وقيل: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة وقيل: الحنسة في الدنيا الرزق الحلال والعمل الصالح وفي الآخرة المغفرة والثواب. وقيل: من آتاه الله الإسلام والقرآن وأهلا ومالا فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة يعني في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية.
(م) عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاد رجلا من المسلمين قد خف فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سبحان الله لا تطيقه ولا تستطيعه أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» قال: فدعا الله به فشفاه (ق) عن أنس بن مالك. قال كان أكثر دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عن عبد الله بن السائب قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول بين الركنين: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» أخرجه أبو داود.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٢٠٢ الى ٢٠٣]
أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)
أُولئِكَ إشارة إلى المؤمنين الداعين بالحسنتين ووجه هذا القول أن الله ذكر حكم الفريق بكماله. فقال:
وما له في الآخرة من خلاق وقيل: يرجع إلى الفريقين لَهُمْ جميعا أي لكل فريق من هؤلاء نَصِيبٌ أي حظ مِمَّا كَسَبُوا يعني من الخير والدعاء بالثواب والجزاء على الدعاء بالدنيا من جنس ما كسب ودعا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ ذكروا في معنى الحساب أن الله تعالى يعلم العباد بما لهم وعليهم بمعنى أن الله تعالى يخلق العلوم الضرورية في قلوبهم بمقادير أعمالهم وكمياتها وكيفياتها وبمقادير ما لهم من الثواب وعليهم من العقاب. وقيل:
إن المحاسبة عبارة عن المجازاة ويدل عليه قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وقيل: إن الله تعالى يكلم عباده يوم القيامة ويعرفهم أحوال أعمالهم وما لهم من الثواب والعقاب. وقيل: إنه تعالى إذا حاسب عباده فحسابه سريع لأنه تعالى لا يحتاج إلى عقد يد وروية فكر وصف الله نفسه تعالى بسرعة الحساب مع كثرة الخلائق وكثرة أعمالهم ليدل بذلك على كمال قدرته لأنه تعالى لا يشغله