للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة البقرة (٢): الآيات ٢٤١ الى ٢٤٣]

وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)

وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ إنما أعاد الله تعالى ذكر المتعة هنا لزيادة معنى وهو أن في تلك الآية بيان حكم غير الممسوسة وفي هذه الآية بيان حكم جميع المطلقات في المتعة وقيل لأنه لما نزل قوله تعالى:

وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ إلى قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ قال رجل من المسلمين إن فعلت أحسنت وإن لم أرد لم أفعل فأنزل الله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فجعل المتعة لهن بلام التمليك وقال تعالى:

حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ يعني المؤمنين الذين يتقون الشرك وقد تقدم أحكام المتعة. وقوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ يعني يبين لكم ما يلزم ويلزم أزواجكم أيها المؤمنون وكما عرفتكم أحكامي والحق الذي يجب لبعضكم على بعض في هذه الآيات كذلك أبين لكم سائر أحكامي في آياتي التي أنزلتها على محمد صلّى الله عليه وسلّم في هذا الكتاب لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي لكي تعقلوا ما بينت لكم من الفرائض والأحكام وما فيه صلاحكم وصلاح دينكم اهـ. قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ قال أكثر المفسرين: كانت قرية يقال لها داوردان وقع بها الطاعون فخرجت طائفة منها وبقيت طائفة فسلم الذين خرجوا وهلك أكثر من بقي بالقرية فلما ارتفع الطاعون رجع الذين خرجوا سالمين فقال الذين بقوا كان أصحابنا أحزم منا رأيا لو صنعا كما صنعوا لبقينا كما بقوا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن إلى أرض لا وباء فيها فرجع الطاعون من قابل فهرب عامة أهلها فخرجوا حتى نزلوا واديا أفيح فلما نزلوا المكان الذين يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي وملك آخر من أعلاه أن موتوا فماتوا جميعا. (ق) عن عمر أنه خرج إلى الشام فلما جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بها فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه» فحمد الله عمر ثم انصرف وقيل إنما فروا من الجهاد وذلك أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوهم فعسكروا ثم جبنوا وكرهوا الموت فاعتلوا وقالوا لملكهم إن الأرض التي تأتيها بها وباء فلا تخرج حتى ينقطع منها الوباء فأرسل الله عليهم الموت فخرجوا فرارا منه فلما رأى الملك ذلك قال: اللهم رب يعقوب وإله موسى قد ترى معصية عبادك فأرهم آية في أنفسهم حتى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك، فلما خرجوا قال لهم موتوا عقوبة لهم فماتوا وماتت دوابهم كموت رجل واحد فما أتى عليهم ثمانية أيام حتى انتفخوا وأروحت أجسادهم فخرج الناس إليهم فعجزوا عن دفنهم فحظروا حظيرة دون السباع فذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أي ألم تعلم يا محمد بإعلامي إياك وهو من رؤية القلب قال أهل المعاني هو تعجيب له يقول هل رأيت مثل هؤلاء كما تقول ألم تر إلى صنيع فلان وكل ما في القرآن من قوله ألم تر ولم يعاينه النبي صلّى الله عليه وسلّم فهذا معناه. قوله تعالى: وَهُمْ أُلُوفٌ قيل هو من العدد واختلفوا في مبلغ عددهم فقيل ثلاثة آلاف وقيل عشرة آلاف وقيل بضع وثلاثون ألفا وقيل أربعون ألفا وقيل سبعون ألفا وأصح الأقوال قول من قال إنهم كانوا زيادة على عشرة آلاف لأن الله تعالى قال: وَهُمْ أُلُوفٌ والألوف جمع الكثير وجمع القليل آلاف وقيل معنى وهم ألوف مؤتلفون جمع ألف والأول أصح قالوا فمر عليهم مدة فبليت أجسادهم وعريت عظامهم فمر عليهم حزقيل بن بوذى هو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى. وذلك أن القيم بأمر بني إسرائيل بعد موسى كان يوشع بن نون ثم كان من بعده كالب بن يوقنا ثم قام من بعده حزقيل. وكان يقال له ابن العجوز لأن أمه كانت عجوزا فسألت الله تعالى الولد بعد ما كبرت وعقمت فوهب الله لها حزقيل ويقال له ذو الكفل سمي به لأن تكفل سبعين نبيا وأنجاهم من القتل فلما مر حزقيل على هؤلاء الموتى وقف عليهم وجعل يفكر فيهم فأوحى الله تعالى إليه أتريد أن أريك قال نعم يا رب فأحياهم الله تعالى وقيل دعا ربه حزقيل أن يحيهم فأحياهم الله تعالى وقيل إنهم كانوا قومه أحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيام وذلك أنه لما أصابهم ذلك خرج في طلبهم فوجدهم موتى فبكى وقال يا رب كنت في قوم يعبدونك ويذكرونك فبقيت وحيدا لا قوم لي فأوحى الله إليه إني قد جعلت حياتهم إليك فقال حزقيل أحيوا

<<  <  ج: ص:  >  >>