على آدم مرور النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبر بما رأى. وقوله: فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى فيه شفقة الوالد على أولاده وسروره وفرحه بحسن حال المؤمن منهم، وحزنه على سوء حال الكفار منهم. وقوله في إدريس مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قد اتفق المؤرخون على أن إدريس، هو أخنوخ وهو جد نوح عليهما السلام فيكون جد النبي صلّى الله عليه وسلّم كما أن إبراهيم جده، فكان ينبغي أن يقول بالنبي الصالح والابن الصالح كما قال آدم وإبراهيم عليهما السلام: فالجواب عن هذا أنه قيل: إن إدريس المذكور هنا هو إلياس، وهو من ذرية إبراهيم فليس هو جد نوح هذا جواب القاضي عياض. قال الشيخ محيي الدين: ليس في الحديث ما يمنع كون إدريس أبا لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم وإن قوله: الأخ الصالح يحتمل أن يكون قاله تلطفا وتأدبا، وهو أخ وإن كان أبا لأن الأنبياء إخوة والمؤمنين إخوة والله أعلم.
[فصل]
في ذكر الآيات التي ظهرت بعد المعراج الدالة على صدقه صلّى الله عليه وسلّم وسياق أحاديث تتعلق بالإسراء قال البغوي روي أنه لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسرى به وكان بذي طوى قال: يا جبريل إن قومي لا يصدقون. قال:
يصدقك أبو بكر وهو الصديق. قال ابن عباس وعائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما كانت ليلة أسري بي إلى السماء أصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس يكذبوني فروي أنه صلّى الله عليه وسلّم قعد معتزلا حزينا، فمر به أبو جهل فجلس إليه فقال كالمستهزئ هل استفدت من شيء؟ قال: نعم أسري بي الليلة قال إلى أين قال إلى بيت المقدس قال: أبو جهل: ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قال: نعم. فلم ير أبو جهل أن ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث، ولكن قال: أتحدث قومك بما حدثتني به. قال: نعم قال أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا، فانقضت المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما قال: حدث قومك بما حدثتني قال: نعم أسري بي الله قالوا إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قال: نعم قال فبقي الناس بين مصفق وبين واضع يده على رأسه متعجبا وارتد أناس ممن كان قد آمن به وصدقه، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال له هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال: أو قد قال ذلك قال نعم قال لئن كان قال ذلك لقد صدق قالوا: أو تصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء في ليلة قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني أصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة فلذلك سمي أبو بكر الصديق. قال: وكان في القوم من أتى المسجد الأقصى. قالوا: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد قال: نعم قال فذهبت أنعت حتى التبس علي قال فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وأنا أنظر إليه، فقال القوم: أما النعت فو الله لقد أصاب فيه ثم قالوا يا محمد أخبرنا عن عيرنا فهي أهم إلينا هل لقيت منها شيئا؟ قال: نعم مررت بعير بني فلان وهي بالروحاء وقد أضلوا بعيرا وهم في طلبه، وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته، ثم وضعته كما كان فسلوا هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا قالوا: هذه آية قال ومررت بعير بني فلان وفلان راكبان قعودا لهما بذي طوى فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان، فانكسرت يده فسلوهما عن ذلك قالوا وهذه آية أخرى قالوا: فأخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدتها وأحمالها وهيئتها؟ فقال: كنت في شغل عن ذلك ثم مثلت له بعدتها وأحمالها وهيئتها ومن فيها وكانوا بالحزورة قال: نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان تطلع عليكم عند طلوع الشمس قالوا: وهذه آية. ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون والله لقد قص محمد شيئا وبينه حتى أتوا كداء فجلسوا عليه فجعلوا ينظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه إذ قال قائل منهم: هذه الشمس قد طلعت. وقال آخر: وهذه العير قد طلعت يقدمها بعير أورق فيه فلان وفلان كما قال: فلم يؤمنوا وقالوا: هذا سحر مبين (م) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: