جمع فكيف قال ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ فكأنه قال فإذا أفضتم من عرفات فأفيضوا من عرفات وذلك غير جائز. قلت: أجيب عن هذا الإشكال بأن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات، فاذكروا الله فعلى هذا الترتيب يصح أن تكون هذه الإفاضة تلك الإفاضة بعينها وقيل: إن ثم في قوله ثم أفيضوا بمعنى الواو أي وأفيضوا كقوله ثم كان من الذين آمنوا والإفاضة الدفع (ق) عن هشام بن عروة عن أبيه قال سأل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير في حجة الوداع قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص قال هشام والنص فوق العنق. العنق بفتح العين ضرب من السير سريع، هو أشد من المشي والفجوة: الفرجة وهي المتسع من الأرض، والنص السير السريع حتى يستخرج من الناقة أقصى وسعها (خ) عن ابن عباس أنه دفع مع النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة فسمع النبي صلّى الله عليه وسلّم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع، الإيضاع السير السريع الشديد. قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ أي من مخالفتكم في الموقف ولجميع ذنوبكم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني أن الله هو الساتر لذنوب عباده برحمته والغفور يفيد المبالغة في الغفر وكذا الرحيم وفيه دليل على أنه تعالى يقبل التوبة من عباده التائبين ويغفر لهم، لأنه تعالى أمر المذنب بالاستغفار ثم وصف نفسه تعالى بأنه كثير الغفران كثير الرحمة فدل ذلك على أنه تعالى يغفر للمستغفرين ويرحم المذنبين بمنه وكرمه. قوله عز وجل:
فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ أي فرغتم من حجكم وعبادتكم وذبحتم نسائككم أي ذبائحكم وذلك بعد رمي جمرة العقبة والاستقرار بمنى فَاذْكُرُوا اللَّهَ يعني بالتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير والثناء عليه كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ قال أهل التفسير، كانت العرب في الجاهلية إذا فرغوا من حجهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل، وقيل: عند البيت فيذكرون مفاخر آبائهم ومآثرهم وفضائلهم ومحاسنهم ومناقبهم، فيقول أحدهم: كان أبي كبير الجفنة رحب الفناء يقرى للضيف وكان كذا وكذا يعد مفاخره ومناقبه ويتناشدون الأشعار في ذلك ويتكلمون بالمنثور والمنظوم من الكلام الفصيح وغرضهم الشهرة والسمعة والرفعة بذكر مناقب سفلهم وآبائهم، فلما من الله عليهم بالإسلام أمرهم أن يكون ذكرهم لله لا لآبائهم وقال: اذكروني فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبهم وأحسنت إليكم وإليهم قال ابن عباس: معناه فاذكروا الله كذكر الصبيان الصغار الآباء وذلك أن الصبي أول ما يفصح بالكلام ويقول: أبه أمه لا يعرف غير ذلك فأمرهم أن يذكروه كذكر الصبيان الصغار الآباء أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً أي بل أشد ذكرا، وقيل: أو بمعنى الواو أي وأشد ذكرا أي وأكثر ذكرا للآباء لأنه هو المنعم عليهم وعلى الآباء، فهو المستحق للذكر والحمد مطلقا، وسئل ابن عباس عن هذه الآية قيل له قد يأتي على الرجل اليوم ولا يذكر فيه أباه فقال: ليس كذلك ولكن أن تغضب لله عز وجل إذا عصى أشد من غضبك لوالديك إذا شتما فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا يعني أن المشركين كانوا يسألون الله في حجهم للدنيا، ونعيمها كانوا يقولون: اللهم أعطنا إبلا وغنما وبقرا وعبيدا وإماء وكان أحدهم بقوم فيقول: اللهم إن أبي كان عظيم الفئة كبيرا الجفنة كثير المال فأعطني مثل ما أعطيته. قال قتادة: هذا عبد نيته الدنيا لها أنفق ولها عمل ونصب (خ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط تعس، وانتكس وإذا شيك فلا انتقش» قوله: تعس عبد الدينار هذا دعاء عليه بالهلاك وهو الوقوع على الوجه من العثار والخميصة ثوب من خز أو صوف معلم، وقوله وانتكس هذا دعاء عليه أيضا لأن من انتكس على رأسه أو في أمره