حريص أيضا لأن الحرص على طلب الدنيا صار طبيعة له لازمة كما أن اللهث طبيعة لازمة للكلب ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني أن المثل الذي ضربناه للذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فعم هذا المثل جميع من كذب بآيات الله وجحدها فوجه التمثيل بينهم وبين الكلب اللاهث أنهم إذا جاءتهم الرسل ليهدوهم لم يهتدوا وإن تركوا لم يهتدوا أيضا بل هم ضلّال في كل حال ثم قال سبحانه وتعالى فَاقْصُصِ الْقَصَصَ وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني فاقصص القصص يا محمد على قومك أي أخبار من كفر بآيات الله لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ يعني فيتعظون، وقيل: هذا المثل لكفار مكة وذلك أنهم كانوا يتمنون هاديا يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله عز وجل فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله وإلى طاعته وهم يعرفونه ويعرفون صدقه كذبوه ولم يقبلوا منه ثم قال سبحانه وتعالى:
[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٧٧ الى ١٧٨]
ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨)
ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ يعني بتكذيبهم بآياتنا.
قوله عز وجل: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي يعني من يرشده الله إلى دينه فهو المهتدي، وقيل: معناه من يتول الله هدايته وإرشاده فهو المهتدي وَمَنْ يُضْلِلْ يعني ومن يتول الضلالة فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ يعني في الآخرة وفي الآية دليل على أن الله سبحانه وتعالى هو الهادي المضل وقوله سبحانه وتعالى:
[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٧٩ الى ١٨٠]
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)
وَلَقَدْ ذَرَأْنا يعني خلقنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أخبر الله سبحانه وتعالى أنه خلق كثيرا من الجن والإنس للنار وهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة ومن خلقه الله للنار فلا حيلة له في الخلاص منها. واستدل البغوي على صحة هذا التأويل بما رواه عن عائشة قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال «أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم» أخرجه مسلم. قال الشيخ محيي الدين النووي في شرح مسلم: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا.
وأجاب العلماء عنه بأنه لعله صلى الله عليه وسلم نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع كما أنكر على سعد بن أبي وقاص لفظة «إني لأراه مؤمنا فقال: أو مسلما» الحديث، ويحتمل أن صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة فلما علم ذلك قال به، وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاث مذاهب قال الأكثرون: هم في النار تبعا لآبائهم وتوقف طائفة فيهم والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة ويستدل له بأشياء منها خبر إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس فقالوا:
يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين. رواه البخاري في صحيحه ومنها قوله سبحانه وتعالى: