أُولئِكَ يعني من هذه صفتهم عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ قال ابن عباس: أي مغفرة من ربهم ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» أي أغفر لهم وأرحمهم وإنما جمع الصلوات لأنه عنى مغفرة، بعد مغفرة ورحمة بعد رحمة وَرَحْمَةٌ قال ابن عباس: ونعمة والرحمة من الله إنعامه وإفضاله وإحسانه، ومن الآدميين رقة وتعطف. وقيل: إنما ذكر الرحمة بعد الصلوات لأن الصلاة من الله الرحمة لاتساع المعنى واتساع اللفظ وتفعل ذلك العرب كثيرا، إذا اختلف اللفظ، واتفق المعنى، وقيل: كررهما للتأكيد أي عليهم رحمة بعد رحمة وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ يعني إلى الاسترجاع. وقيل: إلى الجنة الفائزون بالثواب. وقيل: المهتدون إلى الحق والصواب. وقال عمر بن الخطاب: نعم العدلان ونعمت العلاوة فالعدلان الصلاة والرحمة والعلاوة الهداية.
(فصل: في ذكر أحاديث وردت في ثواب أهل البلاء وأجر الصابرين)(خ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يصب منه» يعني يبتليه بالمصائب حتى يأجره على ذلك (ق) عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلّا كفر الله عنه بها خطاياه» النصب التعب والإعياء والوصب المرض (ق) عن عبد الله قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلّا حط الله عنه من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها»(ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تحصد» الأرزة شجر معروف بالشام ويعرف في العراق، ومصر بالصنوبر والصنوبر ثمرة الأرزة وقيل: الأرزة الثابتة في الأرض. عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبد شرّا أمسك عنه حتى يوافي يوم القيامة» وبهذا الإسناد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» أخرجه الترمذي. وله عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض» وله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» وقال حديث حسن صحيح (خ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلّا الجنة عن سعد بن أبي وقاص وقال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة هون عليه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.
قوله عز وجل: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الصفا جمع صفاة، وهي الصخرة الصلبة الملساء، وقيل هي الحجارة الصافية. والمروة الحجر الرخو، وجمعها مرو ومروات وهذان أصلهما في اللغة، وإنما عنى الله بهما الجبلين المعروفين بمكة في طرفي المسعى، ولذلك أدخل فيهما الألف واللام وشعائر الله أعلام دينه وأصلها من الإشعار وهو الإعلام واحدتها شعيرة وكل ما كان معلما لقربان يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة،