قوله عز وجل: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال ابن عباس: هو تينكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت، قيل إنما خص التين بالقسم لأنه فاكهة مخلصة من شوائب التّنغيص، وفيه غذاء ويشبه فواكه الجنة لكونه بلا عجم.
ومن خواصه أنه طعام لطيف سريع الهضم لا يمكث في المعدة يخرج بطريق الرشح ويلين الطبيعة، ويقلل البلغم وأما الزيتون فإنه من شجرة مباركة فيه إدام ودهن يؤكل ويستصبح به وشجرته في أغلب البلاد ولا يحتاج إلى خدمة وتربية وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية ويمكث في الأرض ألوفا من السنين، فلما كان فيهما من المنافع، والمصالح الدّالة على قدرة خالقهما لا جرم أقسم الله بهما، وقيل هما جبلان فالتين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس، واسمهما بالسريانية طور تينا وطور زيتا لأنهما ينبتان التين والزيتون، وقيل هما مسجدان فالتين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس، وإنما حسن القسم بهما لأنهما موضع الطاعة، وقيل التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء، وقيل التين مسجد نوح الذي بناه على الجودي والزيتون مسجد بيت المقدس وَطُورِ سِينِينَ يعني الجبل الذي كلم الله موسى عليه الصّلاة والسّلام وسينين اسم للمكان الذي فيه الجبل سمي سينين وسيناء لحسنه ولكونه مباركا وكل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سينين وسيناء وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ يعني الآمن، وهو مكة حرسها الله تعالى لأنه الحرم الذي يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام لا ينفر صيده ولا يعضد شجره، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد وهذه أقسام أقسم الله بها لما فيها من المنافع والبركة وجواب القسم قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ يعني في أعدل قامة، وأحسن صورة، وذلك أنه تعالى خلق كل حيوان منكبا على وجهه يأكل بفيه إلا الإنسان فإنه خلقه مديد القامة حسن الصورة يتناول مأكوله بيده مزينا بالعلم، والفهم، والعقل، والتّمييز، والمنطق. ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ يعني إلى الهرم وأرذل العمر فيضعف بدنه وينقص عقله والسّافلون هم الضّعفاء، والزمنى والأطفال والشّيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعا لأنه لا يستطيع حيلة، ولا يهتدي سبيلا لضعف بدنه وسمعه وبصره وعقله، وقيل ثم رددناه إلى النّار لأنها دركات بعضها أسفل من بعض ثم استثنى. فقال تعالى: