صلّى الله عليه وسلّم بما فعل فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد فرسانا فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها وإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا لها أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب فبحثوا وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع، فقال علي والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسل السيف وقال أخرجي الكتاب وإلا لأجردنك ولأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذوائبها وكانت قد خبأته في شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حاطب فأتاه فقال له هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت؟ فقال والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا منهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ لي عندهم يدا وقد علمت أن الله تعالى
ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعذره فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما يدريك يا عمل لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله في شأن حاطب بن أبي بلتعة: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء يعني أصدقاء وأنصارا تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي بأسباب المحبة وقيل معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم وَقَدْ كَفَرُوا أي وحالهم أنهم كفروا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يعني القرآن يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ يعني من مكة أَنْ تُؤْمِنُوا أي لأن آمنتم، كأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ هذا شرط جوابه متقدم والمعنى إن كنتم خرجتم جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء.
وقوله: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي بالنصيحة وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ أي من المودة للكفار وَما أَعْلَنْتُمْ أي أظهرتم بألسنتكم منها وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي الإسرار وإلقاء المودة إليهم فقال: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أي أخطأ طريق الهدى ثم أخبر عن عداوة الكفار فقال تعالى:
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ أي يظفروا بكم ويروكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ أي بالضرب والقتل والشم والسب وَوَدُّوا أي تمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ أي ترجعون إلى دينهم كما كفروا والمعنى أن أعداء الله لا يخلصون المودة لأولياء الله ولا يناصحونهم لما بينهم من الخلاف فلا تناصحوهم أنتم ولا توادوهم لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ أي لا يدعونكم ولا يحملنكم ذوو أرحامكم وقراباتكم وأولادكم الذين بمكة إلى خيانة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين وترك مناصحتهم ونقل أخبارهم وموالاة أعدائهم فإنه لا تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم الذين عصيتم الله لأجلهم يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ أي يدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قوله تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ يخاطب حاطبا