قوله عز وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أي فرض عليكم الجهاد. واختلف العلماء في حكم الآية فقال عطاء الجهاد تطوع والمراد من الآية أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دون غيرهم وإليه ذهب الثوري وحكى عن الأوزاعي نحوه، وحجة هذا القول أن قوله كتب يقتضي الإيجاب ويكفي العمل به مرة واحدة وحجة من أوجبه على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن قوله عليكم يقتضى تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت، وقيل: بل الآية على ظاهرها والجهاد فرض على كل مسلم ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا» أخرجه أبو داود بزيادة فيه (ق) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» وقيل: إن الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين وهذا القول: هو المختار الذي عليه جمهور العلماء. قال الزهري كتب الله القتال على الناس جاهدوا أو لم يجاهدوا فمن غزا فيها ونعمت ومن قعد عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر وإن استغنى عنه قعد قال الله تعالى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى ولو كان القاعد تاركا فرضا لم يعده بالحسنى، واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على ثلاثة أقوال: أحدها أنها محكمة ناسخة للعفو عن المشركين. القول الثاني: إنها منسوخة لأن فيها وجوب الجهاد على الكافة ثم نسخ بقوله تعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً القول الثالث: إنها ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه فالناسخ منها إيجاب الجهاد مع المشركين بعد المنع منه، والمنسوخ إيجاب الجهاد على الكافة. وقوله تعالى: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ أي القتال شاق عليكم وهذا الكره إنما حصل من حيث نفور الطبع عن القتال، لما فيه من مؤنة المال ومشقة النفس وخطر الروح والخوف لا أنهم كرهوا أمر الله قيل: نسخ هذا الكره بقوله تعالى إخبارا عنهم: «وقالوا سمعنا وأطعنا» وقيل: إنما كان كراهتهم القتال قبل أن يفرض عليهم لما فيه من الخوف والشدة وكثرة الأعداء فبين الله تعالى أن الذين تكرهون من القتال هو خير لكم من تركه لئلا يكرهونه بعد أن فرض عليهم وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لفظة عسى توهم الشك مثل لعل، وهي من الله يقين.
وقيل: إنها كلمة مطمعة فهي لا تدل على حصول الشك للقائل وتدل على حصول الشك للمستمع، والمعنى أن الغزو فيه إحدى الحسنيين إما الظفر والغنيمة وإما الشهادة والجنة وقيل: ربما كان الشيء شاقا في الحال وهو سبب المنافع الجليلة في المستقبل، ومثله شرب الدواء المر فإنه ينفر عنه الطبع في الحال ويكرهه لكن يتحمل هذه الكراهة والمشقة لتوقع حصول الصحة في المستقبل وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً يعني القعود عن الغزو وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ يعني لما فيه من فوت الغنيمة والأجر وطمع العدو فيكم، لأنه إذا علم ميلكم إلى الراحة والدعة والسكون قصد بلادكم وحاول قتالكم وإذا علم أن فيكم شهامة وجلادة على القتال كف عنكم وَاللَّهُ يَعْلَمُ يعني ما في الجهاد من الغنيمة والأجر والخير وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ يعني ذلك والمعنى أن العبد إذا علم قصور علمه وكمال علم الله ثم إن الله تعالى أمره بأمر كان ذلك الأمر فيه مصلحة عظيمة فيجب على العبد امتثال أمر الله تعالى وإن كان يشق على النفس في الحال. قوله عز وجل: