للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نهى عن أكل الهر وأكل ثمنه» وقد استثنى الشارع من الميتة السمك والجراد ومن الدم الكبد والطحال وأباح أكل ذلك وقد تقدم دليله.

والأصل في ذلك عند الشافعي أن كل ما لم يرد فيه نص بتحريم أو تحليل فما كان أمر الشرع بقتله كما ورد في الصحيح «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم وهي الحية والعقرب والفأرة والحدأة والكلب العقور» وروي عن سعد بن أبي وقاص «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ» أخرجه البخاري ومسلم، وسماه فويسقا. وعن ابن عباس قال «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد» أخرجه أبو داود فهذا كله حرام لا يحل أكله وما سوى ذلك فالمرجع فيه إلى الأغلب من عادة العرب فما يستطيبه الأغلب منهم فهو حلال وما يستخبثه الأغلب منهم ولا يأكلونه فهو حرام لأن الله خاطبهم بقوله: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ فما استطابوه فهو حلال فهذا تقرير ما يحل ويحرم من المطعومات.

وأما الجواب عن هذه الآية الكريمة فمن وجوه:

أحدها: أن يكون المعنى لا أجد محرما مما كان أهل الجاهلية يحرمونه من البحائر والسوائب وغيرها إلا ما أوحي إليّ في هذه الآية.

الوجه الثاني: أن يكون المراد وقت نزول هذه الآية لم يكن محرما غير ما ذكر ونص عليه في هذه الآية ثم حرم بعد نزولها أشياء أخر.

الوجه الثالث: يحتمل أن هذا اللفظ العام خصص بدليل آخر، وهو ما ورد في السنة.

الوجه الرابع: أن ما ذكر في هذه الآية محرم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما ورد في السنة من المحرمات والله أعلم.

بقي في الآية أحكام في قوله تعالى: أَوْ دَماً مَسْفُوحاً وهو ما سال من الحيوان في حال الحياة أو عند الذبح فإن ذلك الدم حرام نجس وما سوى ذلك كالكبد والطحال فإنهما حلال لأنهما دمان جامدان. وقد ورد الحديث بإباحتهما وكذا ما اختلط باللحم من الدم لأنه غير سائل، قال عمران بن جرير: سألت أبا مجلز عما يختلط باللحم من الدم وعن القدر يرى فيها حمرة الدم فقال لا بأس بذلك وإنما نهي عن الدم المسفوح. وقال إبراهيم النخعي: لا بأس بالدم في عرق أو مخ إلا المسفوح، وقال عكرمة: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون الدم من العروق ما تتبع اليهود.

وقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ لما بين الله المحرمات في هذه الآية أباح أكلها عند الاضطرار من غير بغي ولا عدوان، وفي قوله: فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ دليل على الرخصة والإباحة عند الاضطرار.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٤٦]]

وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦)

قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا يعني اليهود حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ قال ابن عباس: هو البعير والنعامة ونحو ذلك من الدواب. وقيل كل ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير مثل البعير والنعامة والإوز والبط. قال القتيبي هو كل ذي مخلب من الطير وكل ذي حافر من الدواب وسمي الحافر ظفرا على الاستعارة وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما يعني شحم الجوف وهي الثروب وشحم الكليتين إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما يعني إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما من الشحم فإنه غير محرم عليهم، وقال السدي

<<  <  ج: ص:  >  >>