وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً قال الفراء: الوليجة: البطانة من المشركين يتخذونهم يفشون إليهم أسرارهم. وقال قتادة: وليجة، يعني خيانة. وقال الضحاك: خديعة. وقال عطاء: أولياء. يعني لا تتخذوا المشركين أولياء من دون الله ورسوله والمؤمنين. وقال أبو عبيدة: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة من الولوج فوليجة الرجل من يختصه بدخيلة أمره دون الناس.
وقال الراغب: الوليجة كل ما يتخذه الإنسان معتمدا عليه وليس من قولهم فلان وليجة في القوم إذا دخل فيهم وليس منهم والمقصود من هذا نهي المؤمنين عن موالاة المشركين وإن يفشوا إليهم أسرارهم وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ يعني من موالاة المشركين وإخلاص العمل لله وحده.
قوله سبحانه وتعالى: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ يعني به المسجد الحرام وقرئ مساجد الله على الجمع والمراد به المسجد الحرام أيضا وإنما ذكر بلفظ الجمع لأنه قبلة المساجد كلها وسبب نزول هذه الآية أن جماعة من رؤساء كفار قريش أسروا يوم بدر ومنهم العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيرونهم بالشرك وجعل علي بن أبي طالب يوبخ العباس بسبب قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم. فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا؟ فقيل له: وهل لكم من محاسن؟ قال: نعم. نحن أفضل منكم نحن نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني يعني الأسير فنزلت هذه الآية: ما كان للمشركين أي ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله أوجب الله على المسلمين منعهم من ذلك المساجد إنما تعمر لعبادة الله تعالى وحده فمن كان كافرا بالله فليس له أن يعمر مساجد الله واختلفوا في المراد بالعمارة على قولين أحدهم أن المراد بالعمارة العمارة المعروفة من بناء المساجد وتشييدها ومرمتها عند خرابها فيمنع منه الكافر حتى لو أوصى ببناء مسجد لم تقبل وصيته والقول الثاني إن المراد بالعمارة دخول المسجد والقعود فيه فيمتنع الكافر من دخول المسجد بغير إذن مسلم حتى لو دخل بغير إذن مسلم عزر وإن دخل بإذن لم يعزر ويدل على جواز دخول الكافر المسجد بالإذن أن النبي صلى الله عليه وسلم شد ثمامة بن أثال إلى سارية من سواري المسجد وهو كافر والأولى تعظيم المساجد ومنعهم من دخولها.
وقوله تعالى: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ يعني: لا يدخلون المساجد في حال كونهم شاهدين.
وقيل: تقديره وهم شاهدون فلما حذفت وهم نصب. وقال ابن عباس: شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام وذلك أن كفار قريش كانوا قد نصبوا أصنامهم خارج البيت الحرام عند القواعد وكانوا يطوفون بالبيت عراة كلما طافوا طوفة سجدوا للأصنام فلم يزدادوا بذلك من الله إلا بعدا. وقال الحسن: إنهم لم يقولوا نحن كفار ولكن كلامهم بالكفر شهادة عليهم بالكفر. وقال السدي: شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو أن النصراني يسأل من أنت فيقول نصراني واليهودي يقول يهودي والمشرك يقول مشرك. وقال ابن عباس: في رواية عنه شاهدين على رسولهم بالكفر لأنه من أنفسهم أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ يعني الأعمال التي عملوها في حال الكفر من أعمال البر مثل قرى الضيف وسقي الحاج وفك العاني لأنها لم تكن لله فلم يكن لها تأثير مع الكفر وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ يعني من مات منهم على كفره.
قوله عز وجل: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لما بين الله عز وجل أن الكافر ليس له أن يعمر مساجد الله بين في هذه الآية من هو المستحق لعمارة المساجد وهو من آمن بالله فإن الإيمان بالله شرط