يقتضيه حسن الأدب معهما، وقيل: هو يا أماه يا أبتاه وقيل: لا يكنيهما وقيل: هو أن يقول لهم كقول العبد الذليل المذنب للسيد الفظ الغليظ. الرابع: قوله عز وجل وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ أي ألن لهما جناحك واخفضه لهما حتى لا تمتنع عن شيء أحباه مِنَ الرَّحْمَةِ أي من الشفقة عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إليك، كما كنت في حال الصغر مفتقرا إليهما. الخامس: قوله سبحانه وتعالى وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً أي وادع الله لهما أن يرحمهما برحمته الباقية، وأراد به إذا كانا مسلمين فأما إذا كانا كافرين فإن الدعاء منسوخ في حقهما بقوله سبحانه وتعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى وقيل:
يجوز الدعاء لهما بأن يهديهما الله إلى الإسلام فإذا هداهما فقد رحمهما. وقيل في معنى هذه الآية: إن الله سبحانه وتعالى بالغ في الوصية بهما حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته، ثم شفعه بالإحسان إليهما ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تسوؤهما وأن يذل، ويخضع لهما ثم ختمها بالأمر بالدعاء لهما والترحم عليهما.
[فصل]
في ذكر الأحاديث التي وردت في بر الوالدين، (ق) عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك»(م) عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: رغم أنفه، رغم أنفه رغم أنفه قيل من يا رسول الله؟ قال من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة» (م) عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه»(ق) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال «جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحيّ والداك قال: نعم قال ففيهما فجاهد» وعنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «رضا الرب في رضا الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين» أخرجه الترمذي مرفوعا وموقوفا قال: وهو أصح عن أبي الدرداء قال «فإن شئت فضيع ذلك الباب أو احفظه» أخرجه الترمذي. وقال حديث صحيح (م)«عن عبد الله بن مسعود قال:
سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى قال الصلاة لوقتها قلت، ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله تعالى». قوله سبحانه وتعالى رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ أي من بر الوالدين، واعتقاد ما يجب لهما من التوقير، عدم عقوقهما إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ أي أبرارا مطيعين قاصدين الصلاح والبر بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين، أو غيرهما أو قيل فرط منكم في حال الغضب، وعند حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر مما يؤدي إلى أذاهما ثم أنبتم إلى الله، واستغفرتم مما فرط منكم فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ للتوابين غَفُوراً قال سعيد بن جبير في هذه الآية: هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير فإنه لا يؤاخذ بهما. وقال سعيد بن المسيب: الأوّاب الذي يذنب ثم يتوب وعنه أنه الرجاع إلى الخير. وقال ابن عباس: الأوّاب الرجاع إلى الله فيما يحزنه، وينوبه وعنه أنهم المسبحون. وقيل: هم المصلون وقيل هم الذين يصلون صلاة الضحى يدل عليه ما روي عن زيد بن أرقم. قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال «صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال» أخرجه مسلم قوله: إذا رمضت الفصال يريد ارتفاع الضحى وأن تحمى الرمضاء وهو الرمل بحر الشمس فتبرك الفصال من الحر وشدة إحراقه أخفافها.
والفصال جمع فصيل وهي أولاد الإبل الصغار وقيل: الأوّاب الذي يصلي بين المغرب والعشاء يدل عليه ما روي عن ابن عباس قال: إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوّابين. قوله سبحانه وتعالى: