للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا تُسْرِفُوا قال السدي: معناه لا تعطوا أموالكم وتقعدوا فقراء. قال الزجاج فعلى هذا لو أعطى الإنسان كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف لأنه قد صح في الحديث «ابدأ بمن تعول». وقال سعيد بن المسيب:

معناه لا تمنعوا الصدقة فتأويل الآية على هذا القول لا تجاوزوا الحد في البخل والإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة وهذان القولان يشتركان في أن المراد من الإسراف مجاوزة الحد إلا أن الأول في البذل والإعطاء والثاني في الإمساك والبخل، وقال مقاتل: معناه لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام وهذا القول أيضا يرجع إلى مجاوزة الحد لأن من شرك الأصنام في الحرث والأنعام فقد جاوز ما حد له. وقال الزهري: معناه لا تنفقوا في معصية الله عز وجل. وقال مجاهد: الإسراف ما قصرت به في حق الله تعالى ولو كان أبو قبيس ذهبا فأنفقته في طاعة الله لم تكن مسرفا ولو أنفقت درهما أو مدا في معصية الله كنت مسرفا. وقال ابن زيد: إنما خوطب بهذا السلطان نهي أن يأخذ من رب المال فوق الذي ألزم الله ماله. يقول الله عز وجل للسلاطين: لا تسرفوا أي لا تأخذوا بغير حق فكانت الآية بين السلطان وبين الناس. وقوله تعالى: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ فيه وعيد وزجر عن الإسراف في كل شيء لأن من لا يحبه الله فهو من أهل النار. قوله تعالى:

[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٤٢ الى ١٤٣]

وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣)

وَمِنَ الْأَنْعامِ يعني وأنشأ من الأنعام حَمُولَةً وهي كل ما يحمل عليها من الإبل وَفَرْشاً يعني صغار الإبل التي لا تحمل. قال ابن عباس: الحمولة هي الكبار من الإبل والفرش هي الصغار من الإبل، وقال في رواية أخرى عنه ذكرها الطبري:

أما الحمولة: فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه وأما الفرش فالغنم. وقال الربيع بن أنس: الحمولة: الإبل والبقر والفرش المعز والضان فالحمولة كل ما يحمل عليها من الأنعام والفرش ما لا يصلح للحمل سمي فرشا لأنه يفرش للذبح ولأنه قريب من الأرض لصغره كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ يعني كلوا مما أحله الله لكم من هذه الأنعام والحرث وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ يعني لا تسلكوا طريقه وآثاره في تحريم الحرث والأنعام كما فعله أهل الجاهلية إِنَّهُ يعني الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ يعني أنه مبين العداوة لكم ثم بين الحمولة والفرش فقال عز وجل: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يعني وأنشأ من الأنعام ثمانية أزواج يعني ثمانية أصناف والزوج في اللغة الفرد إذا كان معه آخر من جنسه لا ينفك عنه فيطلق لفظ الزوج على الواحد كما يطلق على الاثنين فيقال للذكر زوج وللأنثى زوج مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ يعني الذكر والأنثى والضأن ذوات الصوف من الغنم والواحد ضائن والأنثى ضائنة والجمع ضوائن وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ يعني الذكر والأنثى والمعز ذوات الشعر من الغنم والواحد ماعز والجمع معزى: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ استفهام إنكار، أي: قل يا محمد لهؤلاء الجهلة الذكرين من الضأن والمعز حرم عليكم أم الأنثيين منهما، فإن كان حرم الذكرين من الغنم فكل ذكورها حرام وإن كان حرم الأنثيين منهما فكل إناثها حرام أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يعني أم حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضأن والمعز فإنها لا تشتمل إلا على ذكر أو أنثى نَبِّئُونِي أي أخبروني وفسروا لي ما حرمتم بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني أن الله حرم ذلك عليكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>