كان للحجر أربعة وجوه في كل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين وقيل كان من الرخام وقيل، كان من الكذان وهي الحجارة الليّنة وقيل: هو الحجر الذي وضع عليه موسى ثوبه ليغتسل، ففر به فأتاه جبريل وقال إن الله يأمرك أن ترفع هذا الحجر فلي فيه قدرة ولك فيه معجزة فوضعه في مخلاة فلما سألوه السقيا قيل اضرب بعصاك الحجر فكان إذا احتاجوا إلى الماء، وضعه وضربه بعصاه فتتفجر منه عيون لكل سبط عين تسيل إليهم في جدول، وكان إذا أراد حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء وييبس الحجر فذلك قوله تعالى: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً يعني على عدد أسباط بني إسرائيل، والمعنى فضربه فانفجرت قال المفسرون: انفجرت وانبجست: بمعنى واحد وقيل انبجست أي عرقت وانفجرت أي سالت قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ أي موضع شربهم لا يدخل سبط على غيره كُلُوا وَاشْرَبُوا أي وقلنا لهم كلوا واشربوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ يعني المن والسلوى والماء فهذا كله من رزق الله كان يأتيهم بلا مشقة ولا كلفة وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العيث أشد الفساد في هذه الآية معجزة عظيمة لموسى عليه الصلاة والسلام، حيث انفجر من الحجر الصغير ما روى منه الجمع الكثير ومعجزة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم أعظم لأنه انفجر الماء من بين إصبعيه فروى منه الجم الغفير، لأن انفجار الماء من الدم واللحم أعظم من انفجاره من الحجر. قوله عز وجل:
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ وذلك أنهم سئموا من المن والسلوى وملوه، فاشتهوا عليه غيره لأن المواظبة على الطعام الواحد تكون سببا لنقصان الشهوة. فإن قلت: هما طعامان فما بالهم قالوا على طعام واحد. قلت: أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل ولو كان على مائدة الرجل عدة ألوان يداوم عليها في كل يوم لا يبدلها كانت بمنزلة الطعام الواحد فَادْعُ لَنا رَبَّكَ أي فاسأل لنا ربك يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها قال ابن عباس: الفوم الخبز وقيل هو الحنطة، وقيل هو الثوم وَعَدَسِها وَبَصَلِها إنما طلبوا هذه الأنواع لأنها تعين على تقوية الشهوة أو لأنهم ملوا من البقاء في التيه، فسألوا هذه الأطعمة التي لا توجد إلا في البلاد وكان غرضهم الوصول إلى البلاد لا تلك الأطعمة قالَ يعني موسى أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى أي الذي هو أخس وأردأ وهو الذي طلبوه بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ يعني بالذي هو أشرف وأفضل وهو ما هم فيه اهْبِطُوا مِصْراً يعني إن أبيتم إلا ذلك، فأتوا مصرا من الأمصار، وقيل: بل هو مصر البلد الذي كانوا فيه ودخول التنوين عليه كدخوله على نوح ولوط، والقول هو الأول فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ يعني من نبات الأرض وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أي جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم وألزموا الذل والهوان وقيل: الذلة الجزية وزي اليهودية وفيه بعد لأنه لم تكن ضربت عليهم الجزية بعد وَالْمَسْكَنَةُ أي الفقر والفاقة وسمي الفقير مسكينا لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود وإن كانوا أغنياء مياسير كأنهم فقراء فلا ترى أحدا من أهل الملل أذل ولا أحرص على المال من اليهود وَباؤُ أي رجعوا ولا يقال باء إلا بشر بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وغضب الله إرادة الانتقام ممن عصاه ذلِكَ أي الغضب بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي بصفة محمد صلّى الله عليه وسلّم وآية الرجم التي في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ النبي معناه المخبر من أنبأ ينبئ وقيل هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة وهو المكان المرتفع بِغَيْرِ الْحَقِّ أي بغير جرم. فإن قلت: قتل الأنبياء لا يكون