(فصل في ذكر نزولها) روى مجاهد عن ابن عباس أن سورة الأنعام مما نزل بمكة وهذا قول الحسن وقتادة وجابر بن زيد. وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة الأنعام جملة ليلا بمكة وحولها سبعون ألف ملك وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هي مكية نزلت جملة واحدة نزلت ليلا وكتبوها من ليلتهم غير ست آيات منها فإنها مدنيات وهي قوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى آخر الثلاث آيات وقوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ إلى آخر الآيتين وذكر مقاتل نحو هذا وزاد آيتين وهما قوله تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ الآية وقوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الآية وروي عن ابن عباس أيضا وقتادة أنهما قالا: هي مكية إلا آيتين نزلتا بالمدينة قوله وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ الآية ولما نزلت سورة الأنعام ومعها سبعون ألف ملك قد سدوا ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والتحميد قال النبي صلى الله عليه وسلم «سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم وخرّ ساجدا» قال البغوي وروي عنه مرفوعا من قرأ سورة الأنعام صلى عليه أولئك السبعون ألف ملك ليله ونهاره وذكره بغير سند والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قال كعب الأحبار: هذه الآية أول آية في التوراة وآخر آية في التوراة قوله تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الآية وفي رواية عنه أن آخر آية في التوراة آخر سورة هود قال ابن عباس: افتتح الله الخلق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وختمه بالحمد فقال تعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وفي قوله: الحمد لله، تعليم لعباده كيف يحمدونه أي: قولوا الحمد لله. وقال أهل المعاني لفظه خبر ومعناه الأمر أي احمدوا الله وإنما جاء على صيغة الخبر وفيه معنى الأمر لأنه أبلغ من البيان من حيث إنه جمع الأمرين ولو قيل احمدوا الله لم يجمع الأمرين فكان قوله الحمد لله أبلغ وقد تقدم معنى الحمد في تفسير سورة فاتحة الكتاب بما فيه مقنع الذي خلق السموات والأرض أي احمدوا الله خلق السموات والأرض وإنما خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد لأن السماء بغير عمد ترونها وفيها العبر والمنافع والأرض مسكن الخلق وفيها أيضا العبر والمنافع وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ الجعل هنا بمعنى الخلق أي وخلق الظلمات والنور. قال السدي: يريد بالظلمات، ظلمات الليل والنهار، وبالنور، نور النهار. وقال الحسن: يعني بالظلمات الكفر وبالنور الإيمان. وقيل: يعني بالظلمات