الشهر الحرام إلّا أن يقاتلوا فيه فيقاتلوا على سبيل الدفع. روي عن عطاء أنه كان يحلف بالله ما يحل للناس، أن يغزوا في الشهر الحرام، ولا أن يقاتلوا فيه وما نسخت. والقول الثاني الذي عليه جمهور العلماء وهو الصحيح أنها منسوخة. قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار. القتال جائز في الشهر الحرام وهذه الآية منسوخة بقوله:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وبقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً يعني في الأشهر الحرم وغيرها وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ هذا ابتداء كلام والمعنى وصدكم المسلمين عن الحج أو وصدكم عن الإسلام من يريده وَكُفْرٌ بِهِ أي بالله وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي وصدكم عن المسجد الحرام وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين حين آذوهم حتى هاجروا وتركوا مكة، وإنما جعلهم الله أهله لأنهم كانوا هم القائمين بحقوق المسجد الحرام دون المشركين أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ أي أعظم وزرا عند الله من القتال في الشهر الحرام وَالْفِتْنَةُ أي الشرك الذي أنتم عليه أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ يعني قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام فلما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن أنيس وقيل: عبد الله بن جحش إلى مؤمني مكة إن عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وبإخراج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة والمسلمين، ومنعهم إياهم من البيت وَلا يَزالُونَ يعني مشركي مكة يُقاتِلُونَكُمْ يعني يا معشر المؤمنين حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ يعني إلى دينهم وهو الكفر إِنِ اسْتَطاعُوا يعنى إن قدروا على ذلك وفيه استبعاد لاستطاعتهم فهو كقول الرجل لعدوه إن ظفرت بي فلا تبق علي وهو واثق أنه لا يظفر به وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ يعني ومن يطاوعهم منكم فيرجع إلى دينهم فيمت على ردته قبل أن يتوب فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي بطلت أعمالهم فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وهو أن المرتد يقتل وتبين زوجته منه، ولا يستحق الميراث من أقاربه المؤمنين ولا ينصر إن استنصر ولا يمدح ولا يثنى عليه ويكون ماله فيئا للمسلمين هذا في الدنيا، ولا يستحق الثواب على أعماله ويحبط أجرها في الآخرة وظاهر الآية يقتضي أن الارتداد إنما تتفرع عليه الأحكام إذا مات المرتد على الكفر، أما إذا أسلم بعد الردة لم يثبت عليه شيء من أحكام الردة وفيه دليل للشافعي أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت المرتد على ردته. وعند أبي حنيفة أن الردة تحبط العمل وإن أسلم وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ يعني الذين ماتوا على الردة والكفر هم أصحاب النار هُمْ فِيها خالِدُونَ أي لا يخرجون منها أبدا إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه وذلك أن أصحاب السرية قالوا: يا رسول الله هل نؤجر على وجهنا هذا ونطمع أن يكون لنا غزو. فأنزل الله هذه الآية، وعن جندب بن عبد الله قال: لما كان من أمر عبد الله بن جحش وأصحابه وأمر ابن الحضرمي ما كان قال بعض المسلمين: إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم وزرا فليس لهم فيه أجر فأنزل الله هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا أي فارقوا مساكنهم وعشائرهم وأموالهم وفارقوا مساكنة المشركين في أمصارهم، ومجاورتهم في ديارهم فتحولوا عن المشركين وعن بلادهم إلى غيرها، وجاهدوا يعني المشركين في سبيل الله أي في طاعة الله فجعل الله لأصحاب هذه السرية جهادا أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ أي يطمعون في نيل رحمة الله أخبر أنهم على رجاء الرحمة. وقيل: المراد من الرجاء هنا القطع في أصل الثواب وإنما دخل الظن في كميته ووقته. قال قتادة: أثنى الله تعالى على أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أحسن الثناء فقال: «إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله» هؤلاء هم خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون وأنه من رجا طلب ومن خاف هرب وَاللَّهُ غَفُورٌ أي لذنوب عباده رَحِيمٌ بهم والمعنى أنه تعالى غفر لعبد الله بن جحش وأصحابه ما لم يعلموا به قوله عز وجل: