إلى خيبر فنشهد معكم قتال أهلها وفي هذا بيان كذب المتخلفين عن الحديبية حيث قالوا: شغلتنا أموالنا وأهلونا إذ لم يكن لهم هناك طمع في غنيمة وهنا قالوا: ذرونا نتبعكم حيث كان لهم طمع في الغنيمة يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ يعني يريدون أن يغيروا ويبدلوا مواعيد الله لأهل الحديبية حيث وعدهم غنيمة خيبر لهم خاصة وهذا قول جمهور المفسرين. وقال مقاتل: يعني أمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم حيث أمره أن لا يسير منهم أحدا إلى خيبر.
وقال ابن زيد: هو قول الله تعالى فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا، والقول الأول أصوب قُلْ أي قل لهم يا محمد لَنْ تَتَّبِعُونا يعني إلى خيبر كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ يعني من قبل مرجعنا إليكم غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا يعني يمنعكم الحسد أن نصيب معكم من الغنائم شيئا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا يعني لا يعلمون ولا يفهمون من الله ما لهم وما عليهم من الدين إلا قليلا منهم وهو من تاب منهم وصدق الله ورسوله.
قوله عز وجل: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ لما قال الله للنبي صلّى الله عليه وسلّم: قل لن تتبعونا، وكان المخلفون جمعا كثيرا من قبائل متشعبة، وكان فيهم من ترجى توبته وخيره بخلاف الذين مردوا على النفاق واستمروا عليه، فجعل الله عز وجل لقبول توبتهم علامة، وهي أنهم يدعون إلى قوم أولى بأس شديد، فإن أطاعوا، كانوا من المؤمنين ويؤتيهم الله أجرا حسنا وهو الجنة، وإن تولوا وأعرضوا عما دعوا إليه، كانوا من المنافقين ويعذبهم عذابا أليما. واختلفوا في المشار إليهم بقوله سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ من هم فقال ابن عباس ومجاهد: هم أهل فارس. وقال كعب: هم الروم. وقال الحسن: هم فارس والروم. وقال سعيد بن جبير:
هوازن وثقيف. وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهري وجماعة: هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب. وقال رافع بن خديج: كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم. وقال ابن جريج: دعاهم عمر رضي الله عنه إلى قتال فارس. وقال أبو هريرة: لم يأت تأويل هذه الآية بعد، وأقوى هذه الأقوال، قول من قال إنهم هوازن وثقيف، لأن الداعي هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأبعدها قول من قال إنهم بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب أما الدليل على صحة القول الأول فهو أن العرب كان قد ظهر أمرهم في آخر الأمر على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق إلا مؤمن تقي طاهر أو كافر مجاهر.
وأما المنافقون، فكان قد علم حالهم لامتناع النبي صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة عليهم، وكان الداعي هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حرب من خالفه من الكفار. وكانت هوازن وثقيف من أشد العرب بأسا وكذلك غطفان فاستنفر النبي صلّى الله عليه وسلّم العرب لغزوة حنين وبني المصطلق، فصح بهذا البيان أن الداعي هو النبي صلّى الله عليه وسلّم. فإن قيل: هذا ممتنع لوجهين: أحدهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: لن تتبعونا، وقال: لن تخرجوا معي أبدا، فكيف كانوا يتبعونه مع هذا النهي؟ الوجه الثاني:
قوله أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، ولم يبق للنبي صلّى الله عليه وسلّم حرب مع قوم أولي بأس شديد، لأن الرعب كان قد دخل قلوب العرب كافة فنقول: الجواب عن الوجه الأول من وجهين: أحدهما: أن يكون قوله: قل لن تتبعونا ولن تخرجوا معي أبدا مقيد بقيد وهو أن يكون تقديره: قل لن تتبعونا ولن تخرجوا معي أبدا ما دمتم على ما أنتم عليه من