للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم قل: يا محمد إن الهدى هدى الله ونحن عليه ويحتمل أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ويكون نظم الآية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين، فإن حسدوكم فقل إن الفضل بيد الله، فإن حاجوكم فقل إن الهدى هدى الله ويحتمل أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله لعلهم يرجعون وقوله: ولا تؤمنوا من كلام الله تعالى ثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبس اليهود وتزويرهم في دينهم يقول الله عز وجل: ولا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلّا لمن تبع دينكم ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل ولا تصدقوا أن يحاجوكم عند ربكم أو يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى الله، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. فتكون الآية كلها خطابا للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا ولا يشكوا وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ يعني قل لهم يا محمد إن التوفيق للإيمان والهداية للإسلام بِيَدِ اللَّهِ أي أنه مالك له وقادر عليه دونكم ودون سائر خلقه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يعني الفضل الذي هو دين الإسلام يعطيه من يشاء من عباده ويوفق له من أراد من خلقه وفيه تكذيب لليهود في قولهم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم فقال الله تعالى ردا عليهم قل لهم ليس ذلك إليهم وإنما الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وأصل الفضل في اللغة الزيادة وأكثر ما يستعمل في زيادة الإحسان والفاضل الزائد على غيره في خصال الخير وَاللَّهُ واسِعٌ أي ذو سعة يتفضل على من يشاء عَلِيمٌ أي بمن يتفضل

عليه وهو للفضل أهل.

[سورة آل عمران (٣): الآيات ٧٤ الى ٧٥]

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ يعني بنبوته ورسالته وقيل بدينه الذي هو الإسلام وقيل بالقرآن مَنْ يَشاءُ يعني من خلقه وفيه دليل على أن النبوة لا تحصل إلّا بالاختصاص والتفضل لا بالاستحقاق لأنه تعالى جعلها من باب الاختصاص وللفاعل أن يفعل ما يشاء إلى من يشاء بغير استحقاق وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قوله عز وجل:

وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ الآية نزلت في اليهود أخبر الله عز وجل أن فيهم أمانة وخيانة وقسمهم قسمين، والقنطار عبارة عن المال الكثير والدينار عبارة عن المال القليل يقول منهم من يؤد الأمانة وإن كثرت مثل عبد الله بن سلام وأصحابه ومنهم من لا يؤديها وإن قلت: وهم كفار أهل الكتاب مثل كعب بن الأشرف وأصحابه قال ابن عباس في هذه الآية: أودع رجل من قريش عبد الله بن سلام ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداها إليه فذلك قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ يعني فنحاص بن عازوراء استودعه رجل من قريش دينارا فخانه وجحده ولم يؤده إليه. وقيل: أهل الأمانة هم النصارى، وأهل الخيانة هم اليهود لأن مذهبهم أن يحل قتل من خالفهم في أمر الدين وأخذ ماله بأي طريق كان إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً قال ابن عباس: يريد تقوم عليه وتطالبه بالإلحاح والخصومة والملازمة وقيل: معناه إلّا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائما على رأسه متوكلا عليه بالمطالبة له والتعنيف بالرفع إلى الحاكم وإقامة البينة عليه. وقيل أراد أنه إن أودعته شيئا ثم استرجعته منه في الحال وأنت قائم على رأسه لم تفارقه رده عليك. وإن أخرت استرجاع ما أودعته وأنكره ولم يرده عليك ذلِكَ أي سبب ذلك الاستحلال والخيانة بِأَنَّهُمْ قالُوا يعني اليهود لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ يعني أنهم يقولون ليس علينا إثم ولا حرج في أخذ مال العرب وذلك أن اليهود قالوا: أموال العرب حلال لنا إنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم وقيل: إن اليهود قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه والخلق لنا عبيد فلا سبيل علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا وقيل إنهم قالوا: إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد

<<  <  ج: ص:  >  >>