على أن من قصد معصية الله كان قيامه وقعوده ومشيه وحركته وسكونه كلها حسنات مكتوبة عند الله من قصد معصية الله كان قيامه وقعوده ومشيه وحركته وسكونه كلها سيئات إلا أن يغفرها الله بفضله وكرمه واختلف العلماء في حكم هذه الآية. فقال قتادة: هذا الحكم خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يكن لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر فأما غيره من الأئمة والولاة فيجوز لمن شاء من المؤمنين أن يتخلف عنه إذا لم يكن للمسلمين إليه ضرورة.
وقال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي وابن المبارك وابن جابر وسعيدا يقولون في هذه الآية إنها لأول هذه الأمة وآخرها فعلى هذا تكون هذه الآية محكمة لم تنسخ. وقال ابن زيد: هذا حين كان أهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله عز وجل وأباح التخلف لمن شاء بقوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة ونقل الواحدي عن عطية أنه قال: وما كان لهم أن يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم وأمرهم. وقال: هذا هو الصحيح لأنه لا تتعين الطاعة والإجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا أمر وكذا غيره من الأئمة والولاة قالوا إذا ندبوا أو عينوا لأنّ لو سوغنا للمندوب أن يتقاعد ولم يختص بذلك بعض دون بعض لأدى ذلك إلى تعطيل الجهاد والله أعلم.
وقوله عز وجل: وَلا يُنْفِقُونَ يعني في سبيل الله نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً يعني تمرة فما دونها أو أكثر منها حتى علاقة سوط وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً يعني ولا يجاوزون في مسيرهم واديا مقبلين أو مدبرين فيه إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ يعني كتب الله لهم آثارهم وخطاهم ونفقاتهم لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ يعني يجازيهم أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال الواحدي: معناه بأحسن ما كانوا يعملون. وقال الإمام فخر الدين الرازي: فيه وجهان: الأول: أن الأحسن من صفة أفعالهم وفيها الواجب والمندوب والمباح فالله سبحانه وتعالى يجزيهم على الأحسن وهو الواجب والمندوب دون المباح. والثاني: أن الأحسن صفة للجزاء أي يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأجل وأفضل وهو الثواب وفي الآية دليل على فضل الجهاد وأنه من أحسن أعمال العباد (ق) عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها وفي رواية وما فيها (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو فأقتل في سبيل الله ثم أغزو فأقتل ثم أغزوا فأقتل» لفظ مسلم وللبخاري بمعناه (ق).
عن أبي سعيد الخدري قال:«أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي الناس أفضل قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال ثم من قال ثم رجل في شعب من الشعاب يعبد الله» وفي رواية «يتقي الله ويدع الناس من شره»(خ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» يعني حسنات (خ) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار»(م) عن أبي مسعود الأنصاري البدري قال: «جاء رجل بناقة مخطومة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة» عن خريم بن