للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا من الاستثناء المنقطع والمعنى لو خرجوا فيكم ما زادوكم قوة لكن خبالا والمراد به هنا الإفساد وإيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمر وشدة السفر وكثرة العدوان وقوتهم وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يعني ولأسرعوا فيكم وساروا بينكم بإلقاء النميمة والأحاديث الكاذبة فيكم يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ يعني يطلبون لكم ما تفتتنون به وذلك أنهم يقولون للمؤمنين لقد جمع لكم كذا وكذا ولا طاقة لكم بهم وإنكم ستهزمون منهم وسيظهرون عليكم ونحو ذلك من الأحاديث الكاذبة التي تجبن وقيل معناه يطلبون العيب والشر وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ قال مجاهد: يعني وفيكم عيون لهم يؤدون إليهم أخباركم وما يسمعون منكم وهم الجواسيس. وقال قتادة: وفيكم مطيعون لهم يسمعون كلام المنافقين ويطيعونهم وذلك أنهم يلقون إليهم أنواعا من الشبهات الموجبة لضعف القلب فيقبلونها منهم.

فإن قلت: كيف يجوز أن يكون في المؤمنين المخلصين من يسمع ويطيع للمنافقين؟

قلت: يحتمل أن يكون بعض المؤمنين لهم أقارب من كبار المنافقين ورؤسائهم فإذا قالوا قولا ربما أثر ذلك القول في قلوب ضعفة المؤمنين في بعض الأحوال وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وهذا وعيد وتهديد للمنافقين الذين يلقون الفتن والشبهات بين المؤمنين وقوله سبحانه وتعالى: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ يعني لقد طلبوا صد أصحابك يا محمد عن الدين وردهم إلى الكفر وتخذيل الناس عنكم قيل هذا اليوم كما فعل عبد الله بن أبي بن سلول يوم أحد حين انصرف بأصحابه عنكم وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ يعني وأجالوا فيك وفي أمرك وفي إبطال دينك الرأي وبالغوا في تخذيل الناس عنك وقصدهم تشتيت أمرك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ يعني النصر والظفر وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ يعني ذلك.

[سورة التوبة (٩): الآيات ٤٩ الى ٥٢]

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢)

قوله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي نزلت في الجد بن قيس وكان من المنافقين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى غزوة تبوك قال للجد بن قيس: يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر يعني الروم تتخذ منهم سراري ووصفاء. فقال الجد: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بحب النساء وإني أخشى إن رأيت بنات بني الأصفر أن لا أصبر عنهن ائذن لي في القعود ولا تفتني بهن وأعينك بمالي قال ابن عباس: اعتل الجد بن قيس ولم تكن له علة إلا النفاق فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك فأنزل الله عز وجل فيه ومنهم يعني ومن المنافقين من يقول ائذن لي يعني في التخلف والقعود في المدينة ولا تفتني يعني ببنات بني الأصفر وهم الروم أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا يعني أنهم وقعوا في الفتنة العظيمة وهي النفاق ومخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود عنه وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ يعني يوم القيامة تحيط بهم وتجمعهم فيها.

قوله سبحانه وتعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ يعني إن تصبك يا محمد حسنة من نصر وغنيمة تحزن المنافقين وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يعني من هزيمة أو شدة يَقُولُوا يعني المنافقين قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا يعني أخذنا أمرنا بالجد والحزم في القعود عن الغزو مِنْ قَبْلُ يعني من قبل هذه المصيبة وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ يعني

<<  <  ج: ص:  >  >>