للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس: رماه جبريل بورقة خضراء فألهب بصره ووجعت عينه فجعل يضرب برأسه الجدار، حتى هلك وفي رواية الكلبي قال: أتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة ومعه غلام له وفي رواية فجعل ينطح رأسه في الشجرة ويضرب وجهه بالشوك فاستغاث بغلامه، فقال له غلامه: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا غيرك فمات، وهو يقول قتلني محمد ومر بهما الأسود ابن عبد يغوث فقال جبريل: كيف تجد هذا يا محمد؟ فقال: بئس عبد الله على أنه خالي. فقال جبريل: قد كفيته وأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات. وفي رواية الكلبي أنه خرج من أهله.

فأصابه سموم فاسود وجهه حتى صار حبشيا، فأتى أهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب فمات، وهو يقول:

قتلني رب محمد. ومر بهما الحارث بن قيس فقال جبريل: كيف تجد هذا يا محمد؟ فقال: عبد سوء فأومأ جبريل إلى رأسه. وقال قد كفيته فامتخط قيحا فقتله. وقال ابن عباس: إنه أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى أنقد بطنه فمات. فذلك قوله تعالى إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ يعني بك وبالقرآن.

[سورة الحجر (١٥): الآيات ٩٦ الى ٩٩]

الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)

الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ يعني إذا نزل بهم العذاب ففيه وعيد وتهديد. قوله سبحانه وتعالى وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ يعني بسبب ما يقولون، وهو ما كانوا يسمعونه من الاستهزاء به، والقول الفاحش والجبلة البشرية تأبى ذلك فيحصل عند سماع ذلك ضيق الصدر، فعند ذلك أمره بالتسبيح والعبادة وهو قوله فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قال ابن عباس: فصلّ بأمر ربك وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ يعني من المتواضعين لله، وقال الضحاك فسبح بحمد ربك قل سبحان الله وبحمده وكن من الساجدين يعني من المصلين روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، قال بعض العارفين من المحققين: أن السبب في زوال الحزن عن القلب، إذا أتى العبد بهذه العبادات أنه يتنور باطنه ويشرق قلبه، وينفسح وينشرح صدره فعند ذلك يعرف قدر الدنيا وحقارتها فلا يلتفت إليها، ولا يتأسف على فواتها فيزول الهم والغم والحزن عن قلبه.

وقال بعض العلماء: إذا نزل بالعبد مكروه ففزع إلى الصلاة فكأنه يقول: يا رب إنما يجب عليّ عبادتك سواء أعطيتني ما أحب أو كفيتني ما أكره، فأنا عبدك وبين يديك فافعل بي ما تشاء. قوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ يعني الموت الموقن به الذي لا يشك فيه أحد، والمعنى واعبد ربك في جميع أوقاتك، ومدة حياتك حتى يأتيك الموت وأنت في عبادة ربك، وهذا مثل قوله تعالى في سورة مريم وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا روى البغوي بسنده عن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما أوحى الله إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحى إليّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» وعن عمر قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«انظروا إلى هذا الذي نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطيب الطعام والشراب ولقد رأيت عليه حلة شراها، أو قال: شريت له بمائتي درهم فدعاه حب الله، وحب رسوله إلى ما ترون» ذكره البغوي بغير سند والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>