سورة النور وقيل إن هذه الآية منسوخة الصامت المتقدم وهذا على مذهب من يرى نسخ القرآن بالسنة بالحديث والحديث منسوخ بآية الجلد وقال أبو سلمان الخطابي: لم يحصل النسخ في هذه الآية ولا في الحديث وذلك لأن قوله تعالى:
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا يدل على إمساكهن في البيوت ممدودا إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا وأن ذلك السبيل كان مجملا فلما قال صلّى الله عليه وسلّم:«خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا» الحديث صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية المجملة لا ناسخا لها. وأجمع العلماء على جلد البكر الزاني مائة ورجم المحصن وهو الذي اجتمع فيه أربعة أوصاف البلوغ والعقل والحرية والإصابة في نكاح صحيح وهو الثيب واختلفوا في جلد الثيب ورجمه فذهب طائفة إلى أنه يجب الجمع بينهما وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والحسن وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة. وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال جماهير العلماء الواجب على المحصن الزاني الرجم وحده لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما. وأما تغريب البكر والزاني ونفيه سنة فمذهب الشافعي وجماهير العلماء وجوب ذلك وقال أبو حنيفة وحماد لا يقضى بالنفي أحد إلّا أن يراه الحاكم تعزيرا، وقال مالك والأوزاعي: لا نفي على النساء ويروى مثله عن علي قال لأن المرأة عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض للفتنة وحجة الشافعي وجماهير العلماء ظاهر حديث عبادة بن الصامت وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة» وروى نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب وإن كان الزاني عبدا فعليه جلد خمسين وفي تغريبه قولين. فإن قلنا إنه يغرب ففيه قولان أصحهما أنه يغرب نصف سنة قياسا على حده وإن كان الزاني مجنونا أو أنه يغرب ففيه قولان: أصحهما أنه يغرب نصف سنة قياسا على حده وإن كان الزاني مجنونا أو غير بالغ فلا جلد عليه.
قوله عز وجل: وَالَّذانِ هو تثنية الذي يَأْتِيانِها يعني يأتيان الفاحشة مِنْكُمْ يعني من رجالكم ونسائكم وقيل هما البكران اللذان لم يحصنا وهما غير المعنيين بالآية الأولى وقيل المراد بمن ذكر في الأولى النساء وهذه للرجال لأن الله تعالى حكم في الآية الأولى بالحبس في البيت على النساء وهو اللائق بحالهن لأن المرأة إنما تفعل الفاحشة عند الخروج فإذا حبست في البيت انقطعت مادة المعصية، وأما الرجل فلا يمكن حبسه في البيت لأنه يحتاج إلى الخروج في إصلاح معاشه واكتساب قوت عياله فجعلت عقوبة الرجل الزاني الأذية بالقول والفعل فَآذُوهُما يعني عيروهما بالقول باللسان وهو أن يقال له أما خفت الله أما استحيت من الله حين زنيت وقال ابن عباس: سبوهما واشتموهما وفي رواية عنه قال: هو باللسان واليد يؤذي بالتعيير ويضرب بالنعال فَإِنْ تابا يعني من الفاحشة وَأَصْلَحا يعني العمل فيما يأتي فَأَعْرِضُوا عَنْهُما أي اتركوهما ولا تؤذوهما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً يعني أنه تعالى يعود على عبده بفضله ومغفرته ورحمته إذا تاب إليه وهذا الحكم كان في ابتداء الإسلام كان حد الزاني الأذى بالتوبيخ والتعيير بالقول باللسان فلما نزلت الحدود وثبتت الأحكام نسخ ذلك الأذى بالآية التي في سورة النور وهي قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ الآية فثبت الجلد على البكر بنص الكتاب وثبت الرجم على الثيب المحصن بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد أصح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجم ماعزا وكان قد أحصن وسواء في هذا الحكم المسلم واليهودي لأنه ثبت في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رجم يهوديين زنيا وكانا قد أحصنا وقال أبو حنيفة: لا رجم على اليهودي لأن المشرك ليس بمحصن وأجيب عنه بأن المراد بهذا الإحصان إحصان العفاف لا إحصان الفرج. قوله تعالى: