القرون الماضية فيعتبرون بها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ المعنى أن عمى القلب هو الضار في أمر الدين لا عمى البصر لأن البصر الظاهر بلغة ومتعة وبصر القلوب النافع وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ نزلت في النضر بن الحارث وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ أي إنه أنجز ذلك يوم بدر وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال ابن عباس: يعني يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وقيل يوما من أيام الآخرة يدل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة» أخرجه أبو داود بزيادة فيه وأخرج الترمذي نحوه ومعنى الآية أنهم يستعجلون بالعذاب وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة. وقيل إن يوما من أيام العذاب في الثقل والاستطالة كألف سنة فكيف يستعجلونه وقيل معناه أن يوما عنده وألف سنة في الإمهال سواء لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلونه من العذاب وتأخيره وهذا معنى قول ابن عباس.
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها يعني أمهلتها وَهِيَ ظالِمَةٌ يعني مع استمرار أهلها على الظلم ثُمَّ أَخَذْتُها يعني أنزلت بهم العذاب وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ يعني مصيرهم إلي في الآخرة ففيه وعيد وتهديد. قوله عزّ وجلّ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أمر رسول الله أن يديم لهم التخويف والإنذار وأن يقول لهم إنما بعثت لكم منذرا فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ لما أمر الله الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأن يقول «إنما أنا نذير مبين» أردف ذلك بأن أمره بوعد من آمن ووعيد من عصى فقال «فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة» يعني ستر لصغائر ذنوبهم وقيل للكبائر أيضا مع التوبة ورزق كريم يعني لا ينقطع أبدا وقيل هو الجنة وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا يعني عملوا في إبطال آياتنا مُعاجِزِينَ يعني مثبطين الناس عن الإيمان وقرئ معاجزين يعني معاندين مشاقين وقيل معناه ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا ويفوتوننا فلا نقدر عليهم بزعمهم أن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ قال ابن عباس وغيره من المفسرين: لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تعالى تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم فكان يوما في مجلس لقريش فأنزل الله عزّ وجلّ سورة والنجم فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بلغ «أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى» ألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى. فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد غير الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمد نصيبا فنحن معه فلما أمسى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه