للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النساء (٤): الآيات ١٤٩ الى ١٥١]

إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١)

إِنْ تُبْدُوا خَيْراً قال ابن عباس يريد من أعمال البر كالصيام والصدقة والضيافة والصلة. وقيل معناه إن تبدوا خيرا بدلا من السوء أَوْ تُخْفُوهُ يعني تخفوا الخير فلم تظهروه وقيل معناه إن تبدوا حسنة فتعملوا بها تكتب لكم عشرا وإن هم بها ولم يعملها كتبت له واحدة وقيل إن جميع مقاصد الخيرات على كثرتها محصورة في قسمين: أحدهما صدق النية مع الحق. والثاني التخلق مع الخلق فالذي يتعلق بالخلق ينحصر في قسمين أيضا وهما إيصال نفع إليهم في السر والعلانية وإليه الإشارة بقوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أو رفع ضر عنهم وإليه الإشارة بقوله تعالى: أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فيدخل في هاتين الكلمتين جميع أعمال البر وجميع دفع الضر، وقيل المراد بالخير المال والمعنى إن تبدوا الصدقة فتعطوها الفقراء جهرا أو تخفوها فتعطوها سرا أو تعفوا عن مظلمة فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً يعني لم يزل ذا عفو مع قدرته على الانتقام فاعفوا أنتم عمن ظلمكم واقتدوا بسنّة الله عز وجل يعف عنكم يوم القيامة لأنه أهل للتجاوز والعفو عنكم وقيل معناه إن الله كان عفوا لمن عفا قديرا على إيصال الثواب إليه. قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ نزلت في اليهود وذلك أنهم آمنوا بموسى والتوراة وكفروا بعيسى والإنجيل وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن وقيل نزلت في اليهود والنصارى جميعا وذلك أن اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد والنصارى آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وعليهم أجمعين وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ يعني ويريدون أن يفرقوا بين الإيمان بالله والإيمان برسله ولا يصح الإيمان مع التكذيب ببعض رسله وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا يعني بين الإيمان بالبعض دون البعض يتخذون مذهبا يذهبون إليه ودينا يدينون به أُولئِكَ يعني من هذه صفتهم هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا يعني يقينا وإنما قال ذلك توكيدا لكفرهم لئلا يتوهم متوهم أن الإيمان ببعض الرسل يزيل اسم الكفر عنهم وليعلم أن الكفر ببعض الأنبياء كالكفر بكلهم لأن الدليل الذي يدل على نبوة البعض وهو المعجزة لزم منه أنه حيث وجدت المعجزة حصلت النبوة وقد وجدت المعجزة لجميع الأنبياء فلزم الإيمان بجميعهم وَأَعْتَدْنا يعني وهيأنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً يعني يهانون فيه.

[سورة النساء (٤): الآيات ١٥٢ الى ١٥٥]

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥)

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يعني والذين صدقوا بوحدانية الله ونبوة جميع أنبيائه وأن جميع ما جاءوا به من عند الله حق وصدق وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ يعني من الرسل بل آمنوا بجميعهم وهم المؤمنون أُولئِكَ يعني من هذه صفتهم سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ يعني جزاء إيمانهم بالله وبجميع كتبه ورسله وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يعني أنه تعالى لما وعدهم بالثواب أخبرهم أنه يتجاوز عن سيئاتهم ويغفرها لهم ويرحمهم فهو كالترغيب لليهود والنصارى في الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم لأنهم إذا آمنوا غفر لهم ما كان منهم في حال الكفر. قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>