للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنقصان أعمالها عن الحج وقيل: سمي الحج الأكبر لموافقة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان ذلك اليوم يوم الجمعة فودع الناس فيه وخطبهم وعلمهم مناسكهم وذكر في خطبته أن الزمان قد استدار وأبطل النسيء وجميع أحكام الجاهلية.

وقوله سبحانه وتعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فيه حذف والتقدير وأذان من الله ورسوله بأن الله بريء من المشركين وإنما حذفت الباء لدلالة الكلام عليها وفي رفع رسوله وجوه الأول أنه رفع بالابتداء وخبره مضمر والتقدير أن الله بريء من المشركين ورسوله أيضا بريء الثاني تقديره بريء الله ورسوله من المشركين الثالث إن الله في محل الرفع بالابتداء وبريء خبره ورسوله عطف على المبتدأ.

فإن قلت: لا فرق بين قوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين وبين قوله إن الله بريء من المشركين ورسوله فما فائدة هذا التكرار قلت المقصود من الآية الأولى البراءة من العهد ومن الآية الثانية البراءة التي هي تفيض الموالاة الجارية مجرى الزجر والوعيد والذي يدل على صحة هذا الفرق أنه قال في أولها براءة من الله ورسوله إلى يعني بريء إليهم وفي الثانية بريء منهم وقوله تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ يعني فإن رجعتم عن شرككم وكفركم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ يعني من الإقامة على الشرك وهذا ترغيب من الله في التوبة والإقلاع عن الشكر الموجب لدخول النار وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يعني أعرضتم عن الإيمان والتوبة من الشرك فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ فيه وعيد عظيم وإعلام لهم بأن الله سبحانه وتعالى قادر على إنزال العذاب بهم وهو قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ يعني في الآخرة ولفظ البشارة هنا إنما ورد على سبيل الاستهزاء. كما يقال: تحيتهم الضرب وإكرامهم الشتم قوله سبحانه وتعالى:

[سورة التوبة (٩): الآيات ٤ الى ٥]

إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ هذا الاستثناء راجع إلى قوله تعالى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين يعني إلا من عهد الذين عاهدتم من المشركين وهم بنو ضمرة حي من كنانة أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإتمام عهدهم إلى مدتهم وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا العهد وهو قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً يعني من عهودهم التي عاهدتموهم عليها وَلَمْ يُظاهِرُوا يعني ولم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً يعني من عدوكم وقال صاحب الكشاف: وجهه أن يكون مستثنى قوله فسيحوا في الأرض لأن الكلام خطاب للمسلمين ومعناه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم: سيحوا في الأرض إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ والاستثناء بمعنى الاستدراك كأنه قيل لهم بعد أن أمروا في الناكثين لكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم ولا تجعلوا الوفي كالغادر إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ يعني أن قضية التقوى تقتضي أن لا يسوى بين القبيلتين يعني الوافي بالعهد والناكث له والغادر فيه.

قوله سبحانه وتعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ يعني فإذا انقضت الأشهر الحرم ومضت وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وقال مجاهد ومحمد بن إسحاق: هي شهور العهد سميت حرما لحرمة نقض

<<  <  ج: ص:  >  >>