آخر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قوله تعالى قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن وقت الساعة. والمعنى أن الله هو الذي يعلم الغيب وحده ويعلم متى تقوم الساعة وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ يعني أن من في السموات وهم الملائكة ومن في الأرض وهم بنو آدم لا يعلمون متى يبعثون والله تعالى تفرد بعلم ذلك بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ أي بلغ ولحق علمهم فِي الْآخِرَةِ هو ما جهلوه في الدنيا وسقط عنهم علمه. وقيل بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه وعلموا عنه في الدنيا وهو قوله تعالى بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أي هم اليوم في شك من الساعة بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ جمع عم وهو أعمى القلب وقيل معنى الآية أن الله أخبر عنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة، وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا.
قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي مشركو مكة أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ أي من قبورنا أحياء لَقَدْ وُعِدْنا هذا أي هذا البعث نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ أي من قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم وليس ذلك بشيء إِنْ هذا أي ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي بتكذيبهم إياك وإعراضهم عنك. وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ نزلت في المستهزئين الذي اقتسموا عقاب مكة وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ أي دنا وقرب لَكُمْ وقيل معناه ردفكم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ أي من العذاب فحل بهم ذلك يوم بدر. قوله عز وجل وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
يعني على أهل مكة حيث لم يعجل لهم بالعذاب وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ أي ذلك وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ أي تخفي وَما يُعْلِنُونَ أي من عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَما مِنْ غائِبَةٍ أي من جملة غائبة من مكتوم سر وخفي أمر وشيء غائب فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ يعني في اللوح المحفوظ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أي يبين لهم أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أي من أمر الدين، وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه وَإِنَّهُ يعني القرآن لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أي يفصل بينهم ويحكم بين المختلفين في الدين يوم القيامة بِحُكْمِهِ أي الحق هُوَ الْعَزِيزُ الممتنع الذي لا يرد له أمر الْعَلِيمُ أي بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء منها.
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي فثق به إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ أي البين إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى يعني موتى القلوب وهم الكفار وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ، إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ أي معرضين. فإن قلت ما معنى مدبرين والأصم لا يسمع صوتا سواء أقبل أو أدبر؟. قلت: هو تأكيد ومبالغة وقيل: إن الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع برفع الصوت، أو يفهم بالإشارة فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم. ومعنى الآية إنه لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت الذي لا سبيل إلى سماعه، وكالأصم الذي لا يسمع ولا يفهم وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ معناه ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه عن الإيمان إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله فَهُمْ مُسْلِمُونَ أي مخلصون. قوله تعالى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يعني إذا وجب عليهم العذاب وقيل: إذا غضب الله عليهم وقيل إذا وجبت الحجة عليهم، وذلك أنهم لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا