وَقالُوا يعني منكري البعث. ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا يعني ما الحياة إلا حياتنا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيا يعني يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل تقديره نحيا ونموت وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ يعني وما يفنينا إلا ممر الزمان واختلاف الليل والنهار وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ يعني لم يقولوه عن علم علموه إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الله عز وجل: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» وفي رواية «يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليلة ونهاره فإذا شئت قبضتهما» وفي رواية «يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار» ومعنى هذه الأحاديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل لأنهم كانوا ينسبون إلى الدهر ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد وسبوا فاعلها كان مرجع سبهم إلى الله تعالى إذا هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر لا الدهر فنهوا عن سبب الدهر قيل لهم لا تسبوا فاعل ذلك فإنه هو الله عز وجل والدهر متصرف فيه يقع به التأثير كما يقع بكم والله أعلم.
قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ معناه أن منكري البعث احتجوا بأن قالوا إن صح ذلك فأتوا بآبائنا الذين ماتوا ليشهدوا لنا بصحة البعث قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ يعني في ذلك اليوم يظهر خسران أصحاب الأباطيل وهم الكافرون يصيرون إلى النار.
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً أي باركة على الركب وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء قال سلمان الفارسي إن في القيامة ساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على الركب حتى إبراهيم ينادي ربه لا أسألك إلا نفسي كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا أي الذي فيه أعمالها ويقال لهم الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي من خير وشر هذا كِتابُنا يعني ديوان الحفظة.
فإن قلت كيف أضاف الكتاب إليهم أولا بقوله تُدْعى إِلى كِتابِهَا وإليه ثانيا بقوله هذا كِتابُنا.
قلت لا منافاة بينهما فإضافته إليهم لأنه كتاب أعمالهم وإضافته إليه لأنه تعالى هو آمر الحفظة بكتبه يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ أي يشهد عليكم ببيان شاف كأنه ينطق وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم وكتابتها وإثباتها عليكم وقيل نستنسخ أي نأخذ نسخته وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان له ثواب وعليه عقاب ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب، وقيل الاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم والاستنساخ لا