للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسوقها إلى حيث يشاء الله تعالى. وقيل: إن المطر ينزل من السماء كل عام بقدر واحد لا يزيد ولا ينقص ولكن الله يمطر قوما، ويحرم آخرين وقيل: إذا أراد الله بقوم خيرا أنزل عليهم المطر والرحمة وإذا أراد بقوم شرا صرف المطر عنهم إلى حيث لا ينتفع به، كالبراري والقفار والرمال والبحار ونحو ذلك. وحكى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده أنه قال في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البر والبحر. وهو تأويل قوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ قال ابن عباس يعني للشجر، وهو قول الحسن وقتادة وأصل هذا من قولهم: لقحت الناقة وألقحها الفحل إذا ألقى إليها الماء، فحملته فكذلك الرياح كالفحل للسحاب وقال ابن مسعود في تفسير هذه الآية: يرسل الله الرياح لتلقح السحاب فتحمل الماء فتمجه في السحاب ثم تمر به فتدر كما تدر اللقحة، وقال عبيد بن عمير: يرسل الله الريح المبشرة فتقم الأرض قما، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركاما، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر والأظهر في هذه الآية إلقاحها السحاب لقوله بعده فأنزلنا من السماء ماء قال أبو بكر بن عياش: لا تقطر قطرة من السماء إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيها فالصبا تهيج السحاب، والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه. وقال أبو عبيد: لواقح هنا بمعنى ملاقح جمع ملقحة حذفت الميم وردت إلى الأصل. وقال الزجاج: يجوز أن يقال لها لواقح وإن ألقحت غيرها، لأن معناها النسبة كما يقال: درهم وازن أي ذو وزن واعترض الواحدي على هذا.

فقال هذا ليس بمغن لأنه كان يجب أن يصح اللاقح بمعنى ذات لقح حتى يوافق قول المفسرين، وأجاب الرازي عنه بأن قال: هذا ليس بشيء. لأن اللاقح هو المنسوب إلى اللقحة، ومن أفاد غير اللقحة فله نسبة إلى اللقحة وقال صاحب المفردات لواقح أي ذات لقاح وقيل إن الريح في نفسها لاقح لأنها حاملة للسحاب والدليل عليه قوله تعالى حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثقالا، أي حملت فعلى هذا تكون الريح لاقحة بمعنى حاملة تحمل السحاب. وقال الزجاج: ويجوز أن يقال للريح لقحت إذا أتت بالخير كما قيل لها عقيم إذا لم تأت بخير، وورد في بعض الأخبار أن الملقح الرياح الجنوب، وفي بعض الآثار ما هبت رياح الجنوب إلا واتبعت عينا غدقة (ق) عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها وشر ما أرسلت به» وروى البغوي بسنده إلى الشافعي إلى ابن عباس قال:

ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلّى الله عليه وسلّم على ركبتيه، وقال: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» قال ابن عباس في كتاب الله عز وجل إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ وقال: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ وقال يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وقوله سبحانه وتعالى فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَسْقَيْناكُمُوهُ يعني جعلنا لكم المطر سقيا يقال أسقى فلان فلانا إذا جعل له سقيا، وسقاه إذا أعطاه ما يشرب، وتقول العرب: سقيت الرجل ماء، ولبنا إذا كان لسقيه فإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته يقال: أسقيناه وَما أَنْتُمْ لَهُ يعني للمطر بِخازِنِينَ يعني: إن المطر في خزائننا لا في خزائنكم. وقيل: وما أنتم له بمانعين.

[سورة الحجر (١٥): الآيات ٢٣ الى ٣٠]

وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧)

وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)

وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ يعني بيدنا إحياء الخلق وإماتتهم لا يقدر على ذلك أحد إلا الله سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>