عليه السلام فلما كان الطوفان رفع الله البيت إلى السماء وبقي موضع البيت أكمة بيضاء إلى أن بعث الله إبراهيم عليه السلام فأمره ببنائه. القول الثاني، أن المراد من الأولية كون هذا أول بيت وضع للناس مباركا ويدل عليه سياق الآية وهو قوله تعالى: لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وروي أن رجلا قام إلى علي بن أبي طالب فقال: ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال
: لا قد كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع الناس مباركا وهدى وفيه مقام إبراهيم ومن دخل كان آمنا وقال الحسن: وهو أول مسجد عبد الله فيه، وقال مطرف: هو أول بيت وضع للعبادة. وقال الضحاك: هو أول بيت وضع فيه البركة، وأول بيت وضع للناس يحج إليه، وأول بيت جعل قبلة للناس. (ق) عن أبي ذر قال: «سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أول مسجد وضع في الأرض قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى قلت: كم بينهما؟ قال أربعون عاما ثم الأرض لك مسجدا فحيثما أدركت الصلاة فصلّ» زاد البخاري فإن الفضل فيه وقوله مُبارَكاً يعني ذا بركة وأصل البركة النمو والزيادة، وقيل هو ثبوت الخير الإلهي فيه وقيل هو أول بيت خص بالبركة وزيادة الخير وقيل لأن الطاعات وسائر العبادات تتضاعف ويزداد ثوابها عنده (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» وَهُدىً لِلْعالَمِينَ يعني أنه قبلة للمؤمنين يهتدون به إلى جهة صلاتهم.
وقيل لأن فيه دلالة على وجود الصانع المختار لما فيه من الآيات التي لا يقدر عليها غيره. وقيل هو هدي للعالمين إلى الجنة لأن من قصده بأن صلّى إليه أو حجه فقد أوجب الله تعالى له الجنة برحمته. قوله تعالى:
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ أي فيه دلالات واضحات على حرمته ومزيد فضله، ثم اختلفوا في تفسير تلك الآيات فقيل هي قوله مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا، وقيل الآيات غير مذكورة وهي ما يدل على فضل هذا البيت منها أن الطير لا يطير فوق الكعبة في الهواء بل ينحرف عنها إذا وصل إليها يمينا وشمالا، ومنها أن الوحوش لا تؤذي بعضها في الحرم حتى الكلاب لا تهيج الظباء ولا تصطادها، ومنها أن الطير إذا مرض منه شيء استشفى بالكعبة ومنها تعجيل العقوبة لمن انتهك حرمة البيت وما قصده جبار بسوء إلا أهلكه الله كما أهلك أصحاب الفيل وغيرهم، ومن الآيات التي فيه الحجر الأسود والملتزم والحطيم وزمزم ومشاعر الحج التي فيه كلها من الآيات، ومنها أن الآمر ببناء هذا البيت هو الجليل والمهندس له جبريل، والباني هو إبراهيم الخليل، والمساعد في بنيانه هو إسماعيل فهذه فضيلة عظيمة لهذا البيت. قوله تعالى: مَقامُ إِبْراهِيمَ يعني الحجر الذي كان يقوم عليه عند بناء البيت وكان فيه أثر قدمي إبراهيم فاندرس من كثرة المسح بالأيدي وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قيل لما كانت الآيات المذكورة عقيب قوله: إن أول بيت وضع للناس موجودة في جميع الحرم، علم أن المراد بقوله ومن دخله كان آمنا جميع الحرم ويدل عليه أيضا دعوة إبراهيم حيث قال رب اجعل هذا البلد آمنا يعني من أن يهاج فيه وكانت العرب يقتل بعضهم بعضا ويغير بعضهم على بعض وكان من دخل الحرم آمن من القتل والغارة وهو المراد من حكم الآية على قول أكثر المفسرين قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وقيل في معنى الآية ومن دخله عام عمرة القضاء مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان آمنا، وقيل هو خبر بمعنى الأمر تقديره ومن دخله فأمنوه وهو قول ابن عباس حتى ذهب أبو حنيفة إلى أن من وجب عليه القتل قصاصا كان أو أحدا فالتجأ إلى الحرم فإنه لا يستوفى منه القصاص أو الحد في الحرم لكنه لا يطعم ولا يبايع ولا يشارى ولا يكلم ويضيق عليهم حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد خارج الحرم. وقال الشافعي: إذا وجب عليه القصاص خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم استوفي منه في الحرم. وأجمعوا على أنه لو قتل في الحرم أو سرق أو