أي عن أكل الربا فَلَهُ ما سَلَفَ أي ما مضى من ذنبه قبل النهي مغفور له وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يعني بعد النهي إن شاء عصمه حتى يثبت على الانتهاء وإن شاء خذله حتى يعود إلى أكل الربا وقيل معناه وأمره إلى الله فيما يأمره وينهاه ويحل له ويحرم عليه وليس إليه من أمر نفسه شيء. وقيل: إن الآية فيمن يعتقد تحريم أكل الربا ثم يأكله فأمره إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه وَمَنْ عادَ يعني إلى أكل الربا بعد التحريم مستحلّا له فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
قوله عز وجل: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أي ينقصه ويهلكه ويذهب ببركته قال ابن عباس لا يقبل الله منه صدقة ولا حجا ولا جهادا ولا صلة وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ أي يزيدها ويثمرها ويبارك فيها في الدنيا ويضاعف أجرها في الآخرة. (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصدق أحد بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله الطيب إلّا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله» لفظ مسلم والبخاري «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله. وفي رواية ولا يقبل الله إلّا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل». وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ يعني كل مصر على كفره مقيم عليه مستحل لأكل الربا أَثِيمٍ يعني متماديا في الإثم وفيه نهي عنه وأن من أكل الربا لا ينزجر عنه ولا يتركه وقيل يحتمل أن يكون الكفار راجعا إلى مستحل الربا والأثيم راجعا إلى من يفعله مع اعتقاد التحريم فتكون الآية جامعة للفريقين. قوله عز وجل:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالله ورسوله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني التي أمرهم الله بها وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني المفروضة بأركانها وحدودها في أوقاتها وَآتَوُا الزَّكاةَ يعني المفروضة عليهم في أموالهم لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي لهم ثواب أعمالهم في الآخرة وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أي يوم القيامة. قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا قيل: نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر فلما كانا وقت الجذاذ قال صاحب التمر لهما: إن أنتما أخذتما حقكما لم يبق لي ما يكفي عيالي فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما ففعلا فلما حل الأجل طلبا منه الزيادة فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فنهاهما، وأنزل الله هذه الآية فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما، وقيل نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير ناس من ثقيف فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع: فيما رواه جابر من أفراد مسلم «ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتله هذيل وربا الجاهلية موضوع. وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله» وقيل: نزلت في أربعة إخوة من ثقيف وهم: مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة بن عمرو بن عميرة بن عوف الثقفي كانوا يداينون بني المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم، وكانوا يرابون فلما ظهر النبي صلّى الله عليه وسلّم على الطائف أسلم هؤلاء الإخوة بنو عمرو الثقفي وطلبوا رباهم من بني المغيرة فقال بنو المغيرة: والله ما نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله تعالى عن المؤمنين فاختصموا إلى عتاب بن أسيد وكان عامل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على مكة فكتب عتاب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بقضية الفريقين وكان ذلك مالا