عدل إلي رأس الشجرة فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ معناه أنه طلب الطعام لجوعه واحتياجه إليه.
قال ابن عباس: إن موسى سأل الله فلقة خبز يقيم بها صلبة وعن ابن عباس قال: لقد قال موسى: «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة وقيل ما سأل إلا الخبز فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما؟ قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه إلي قال الله تعالى:
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قيل هي الكبرى واسمها صفوراء وقيل صفراء وقيل بل هي الصغرى واسمها ليا وقيل صفيراء وقال عمر بن الخطاب ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء وقيل استحيت منه لأنها دعته لتكافئه وقيل لأنها رسول أبيها قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا قيل لما سمع موسى ذلك كره أن يذهب معها ولكن كان جائعا فلم يجد بدا من الذهاب فمشت المرأة ومشى موسى خلفها فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها فكره موسى أن يرى ذلك منها فقال لها امشي خلفي ودليني على الطريق إذا أخطأت ففعلت ذلك فلما دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء مهيئا فقال: اجلس يا فتى فتعش فقال موسى أعوذ بالله فقال شعيب ولم ذاك ألست بجائع؟
قال بلى ولكني أخاف أن يكون هذا عوضا من الدنيا فقال له شعيب: لا والله يا فتى ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس وأكل فذلك قوله عز وجل فَلَمَّا جاءَهُ أي موسى وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ أي أخبره بأمره أجمع من خبر ولادته وقتله القبطي وقصد فرعون قتله قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني من فرعون وقومه وإنما قال ذلك لأنه لم يكن لفرعون سلطان على مدين قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ يعني إن خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة فقال لها أبوها ما أعلمك بقوته وأمانته؟ قالت أما قوته فإنه رفع الحجر من على رأس البئر ولا يرفعه إلا عشرة.
وقيل أربعون رجلا وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك قالَ شعيب عند ذلك إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ أي أزوجك إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ قيل زوجه الكبرى وقال الأكثرون إنه زوجه الصغرى منهما واسمها صفوراء وهي التي ذهبت في طلب موسى عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ أي تكون لي أجيرا ثمان سنين فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أي فإن أتممت العشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع ليس بواجب عليك وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ أي ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرع سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت وقيل يريد بالصلاح حسن المعاملة ولين الجانب وإنما قال إن شاء الله للاتكال على توفيقه ومعونته قالَ يعني موسى ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يعني ما شرطت علي فلك وما شرطت من تزوج