للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشرابنا الماء قال اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال أبو القاسم بركة دعوة إبراهيم. قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت: نعم يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك فقال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال: فاسمع ما أمرك ربك، قال:

وتعينني قال وأعينك قال: فإن الله أمرني أن أبني بيتا هاهنا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاءه بهذا الحجر فوضعه له، فقام إبراهيم عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم:

وفي رواية حتى إذا ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة ويقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وقيل: إن امرأة إسماعيل قالت لإبراهيم: انزل اغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بالمقام فوضعته عند شقه الأيمن، فوضع قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولته إلى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر فبقي أثر قدميه عليه. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاء ما بين المشرق والمغرب» أخرجه الترمذي. وقال هذا يروى عن ابن عمر موقوفا. واختلفوا في قوله: مصلى فمن فسر المقام بمشاهد الحج ومشاعره قال مصلّى مدعى من الصلاة التي هي الدعاء، ومن فسر المقام بالحجر قال معناه واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى قبلة، أمروا بالصلاة عنده وهذا القول هو الصحيح، لأن لفظ الصلاة إذا أطلق لا يعقل منه إلا الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، ولأن مصلى الرجل هو الموضع الذي يصلي فيه وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أي أمرناهما وألزمناهما وأوجبنا عليهما. قيل: إنما سمي إسماعيل لأن إبراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولدا، ويقول في دعائه: اسمع يا إيل وإيل بلسان السريانية هو الله. فلما رزق الولد سماه به أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ يعني الكعبة أضافه إليه تشريفا وتفضيلا وتخصيصا، أي ابنياه على الطهارة والتوحيد، وقيل طهراه من سائر الأقذار والأنجاس، وقيل طهراه من الشرك والأوثان وقول الزور لِلطَّائِفِينَ يعني الدائرين حوله وَالْعاكِفِينَ يعني المقيمين به والمجاورين له وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ جمع راكع وساجد وهم المصلون وقيل:

الطائفين يعني الغرباء الواردين إلى مكة والعاكفين يعني أهل مكة المقيمين بها. قيل: إن الطواف للغرباء أفضل والصلاة لأهل مكة بمكة أفضل. قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢): آية ١٢٦]]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا إشارة إلى مكة وقيل إلى الحرم بَلَداً آمِناً أي ذا أمن يأمن فيه أهله، وإنما دعا إبراهيم له بالأمن لأنه بلد ليس فيه زرع ولا ثمر فإذا لم يكن آمنا، لم يجلب إليه شيء من النواحي فيتعذر المقام به. فأجاب الله تعالى دعاء إبراهيم وجعله بلدا آمنا فما قصده جبار إلا قصمه الله تعالى كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم من الجبابرة. فإن قلت: قد غزا مكة الحجاج وخرب الكعبة. قلت لم يكن قصده بذلك مكة ولا أهلها ولا إخراب الكعبة، وإنما كان قصده خلع ابن الزبير من الخلافة ولم يتمكن من ذلك إلا بذلك فلما حصل قصده أعاد بناء الكعبة فبناها وشيدها وعظم حرمتها وأحسن إلى أهلها. واختلفوا هل كانت مكة محرمة قبل دعوة إبراهيم عليه السلام أو حرمت بدعوته على قولين: أحدهما أنها كانت محرمة قبل دعوته بدليل

<<  <  ج: ص:  >  >>