للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرّحمن إن قاصا عند باب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منها كهيئة الزكام فقام عبد الله وجلس وهو غضبان فقال يا أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئا فليقل به ومن لا يعلم شيئا فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم فإن الله عز وجل قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم «قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين» «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى من الناس إدبارا قال اللهم سبعا كسبع يوسف» وفي رواية «لما دعا قريشا فكذبوه واستعصوا عليه قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر أحدهم إلى السماء فيرى كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرّحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم قال الله عز وجل: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ إلى قوله عائِدُونَ قال عبد الله فيكشف عذاب الآخرة يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون فالبطشة يوم بدر وفي رواية للبخاري قالوا:

[سورة الدخان (٤٤): الآيات ١٢ الى ١٦]

رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)

رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ فقيل له إن كشفناه عنهم عادوا فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر فذلك قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ إلى قوله إِنَّا مُنْتَقِمُونَ قوله حصت كل شيء بالحاء والصاد المهملتين أي أهلكت واستأصلت كل شيء (ق). عن عبد الله بن مسعود قال:

«خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان قيل أصابهم من الجوع كالظلمة في أبصارهم وسبب ذلك أن في سنة القحط العظيم تيبس الأرض بسبب انقطاع المطر ويرتفع الغبار ويظلم الهواء والجو وذلك يشبه الدخان وقيل هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون الرجل رأسه كالرأس الحنيذ يعني المشوي ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه، وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن يدل عليه ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا، قال حذيفة: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا هذه الآية يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره» أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى أي كيف يتذكرون ويتعظون بهذه الحالة وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ معناه وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ما ظهر على يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المعجزات الظاهرات والآيات البينات الباهرة ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ أي أعرضوا عنه وَقالُوا مُعَلَّمٌ أي يعلمه بشر مَجْنُونٌ أي تلقي إليه الجن هذه الكلمات حال ما يعرض له الغشي إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ أي الجوع قَلِيلًا أي زمنا يسيرا قيل إلى يوم بدر إِنَّكُمْ عائِدُونَ أي إلى كفركم يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى هو يوم بدر إِنَّا مُنْتَقِمُونَ أي منكم في ذلك اليوم، وهو قول ابن مسعود وأكثر العلماء وفي رواية عن ابن عباس أنه يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>