للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفرا إلى كفرهم وذلك أنهم كلما جحدوا نزول سورة أو استهزءوا بها ازدادوا كفرا مع كفرهم الأول وسمي الكفر رجسا لأنه أقبح الأشياء وأصل الرجس في اللغة الشيء المستقذر وَماتُوا يعني هؤلاء المنافقين وَهُمْ كافِرُونَ يعني وهم جاحدون لما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم. قال مجاهد: في هذه الآية الإيمان يزيد وينقص وكان عمر يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه ويقول تعالوا حتى نزداد إيمانا. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن الإيمان يبدو لمعة بيضاء في القلب وكلما ازدادا الإيمان عظما ازداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كله، وإن النفاق يبدو لمعة سوداء في القلب وكلما ازداد النفاق ازداد السواد حتى يسود القلب كله، وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود.

[سورة التوبة (٩): الآيات ١٢٦ الى ١٢٨]

أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)

قوله سبحانه وتعالى: أَوَلا يَرَوْنَ قرئ ترون بالتاء على خطاب المؤمنين وقرئ بالياء على أنه خبر عن المنافقين المذكورين في قوله في قلوبهم مرض أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ يعني يبتلون فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ يعني بالأمراض والشدائد. وقيل: بالقحط والجدب. وقيل: بالغزو والجهاد. وقيل: إنهم يفتضحون بإظهار نفاقهم.

وقيل: إنهم ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون. وقيل إنهم ينقضون عهدهم في السنة مرة أو مرتين ثُمَّ لا يَتُوبُونَ يعني من النفاق ونقض العهد ولا يرجعون إلى الله وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ يعني ولا يتعظون بما يرون من صدق وعد الله بالنصر والظفر للمسلمين وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ يعني فيها عيب المنافقين وتوبيخهم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ يريدون بذلك الهرب يقول بعضهم لبعض إشارة هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ يعني هل أحد من المؤمنين يراكم إن قمتم من مجلسكم فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد وإن علموا أن أحدا يراهم من المؤمنين أقاموا ولبثوا على تلك الحال ثُمَّ انْصَرَفُوا يعني عن الإيمان بتلك السورة النازلة. وقيل: انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها ما يكرهون صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ يعني عن الإيمان. وقال الزجاج: أضلهم الله مجازاة لهم على فعلهم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يعني لا يفقهون عن الله دينه ولا شيئا فيه نفعهم.

قوله سبحانه وتعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ هذا خطاب للعرب يعني: لقد جاءكم أيها العرب رسول من أنفسكم تعرفون نسبه وحسبه وأنه من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام قال ابن عباس ليس قبيلة من العرب إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم وله فيهم نسب وقال جعفر بن محمد الصادق: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح» هكذا ذكره الطبري وذكر البغوي بإسناد الثعلبي. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح أهل الإسلام» قال قتادة: جعله الله من أنفسكم فلا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة. قال بعض العلماء في تفسير قول ابن عباس: ليس قبيلة من العرب إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: من مضرها وربيعتها ويمانيها فأما ربيعة ومضر فهم من ولد معد بن عدنان وإليه تنسب قريش وهو منهم وأما نسبه إلى عرب اليمن وهم القحاطنة فإن آمنة لها نسب في الأنصار وإن كانت من قريش والأنصار أصلهم من عرب اليمن من ولد قحطان بن سبأ فعلى هذا القول يكون المقصود من قوله: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم».

<<  <  ج: ص:  >  >>