للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتلّ جوّاظ جعظري مستكبر» العتل الفظ الغليظ الشديد في الخصومة الذي لا ينقاد لخير. والجواظ الفاجر المختال في مشيته، وقيل هو القصير البطين. والجعظري الفظ الغليظ، وقيل هو الذي يتمدح بما ليس فيه أو عنده (ق) عن أسامة بن زيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء» الجد بفتح الجيم هو الحظ والغنى وكثرة المال وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ قال ابن عباس: يعطي كثيرا بغير مقدار لأن كل ما يدخل عليه الحساب فهو قليل، والمعنى أنه يوسع لمن يشاء من عباده وقيل يرزقه في الدنيا ولا يحاسبه في الآخرة، وقيل معناه أنه يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب وقيل معناه أنه يرزقه بغير استحقاق وقيل معناه أنه تعالى لا يخاف نفاد ما في خزائنه حتى يحتاج إلى حساب لما يخرج منها لأن الحساب إنما يكون ليعلم قدر ما يعطي والله غني عالم بما يعطي ولا يخاف نفاد خزائنه لأنها بين الكاف والنون وقيل معناه إن الله يقتر الرزق على ما يشاء ويبسط الرزق لمن يشاء، ولا يعطي كل واحد على قدر حاجته، بل يعطي الكثير لمن لا يحتاج إليه، ولا معارض له في حكمه، ويحاسب فيما رزق، ولا يقال له لم أعطيت هذا وحرمت هذا، ولا لم أعطيت هذا أكثر من ذاك؟ لأنه تعالى لا شريك له في ملكه ينازعه ولا يسأل عما يفعل. وقيل: يحتمل أن يكون المراد منه ما يعطي الله المتقين في الآخرة من الثواب والكرامة بغير محاسبة منه لهم على ما من به عليهم وذلك أن نعيم الجنة لا نفاد له ولا انقطاع. وقيل: إنه تعالى يعطي أهل الجنة الثواب والأجر بقدر أعمالهم ثم يتفضل عليهم فذلك الفضل منه إليهم بغير حساب قوله عز وجل.

[[سورة البقرة (٢): آية ٢١٣]]

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أي على دين واحد. قيل هو آدم وذريته كانوا مسلمين على دين واحد إلى أن قتل قابيل هابيل فاختلفوا. وقيل كان الناس على شريعة واحدة من الحق والهدى من وقت آدم إلى مبعث نوح ثم اختلفوا، فبعث الله نوحا، وهو أول رسول بعث، ثم بعث بعده الرسل. وقيل هم أهل السفينة الذين كانوا مع نوح وكانوا مؤمنين ثم اختلفوا بعد وفاته. وقيل إن العرب كانت على دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي. وقيل كانت الناس أمة واحدة حين أخرجوا من ظهر آدم لأخذ الميثاق فقال: ألست بربكم؟ قالوا بلى، فاعترفوا بالعبودية ولم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم، ثم لما ظهروا إلى الوجود اختلفوا بسبب البغي والحسد. وقيل إن آدم وحده كان أمة واحدة يعني إماما وقدوة يقتدى به وإنما ظهر الاختلاف بعده. وقيل كان الناس أمة واحدة على الكفر والباطل بدليل قوله فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ فإن قيل: أليس قد كان فيهم من هو مسلم نحو هابيل وشيث وإدريس ونحوهم؟ فالجواب أن الغالب في ذلك الزمان كان الكفر والحكم للغالب. وقيل إن الآية دلت على أن الناس كانوا أمة واحدة وليس فيها ما يدل على أنهم كانوا على إيمان أو كفر فهو موقوف على دليل من خارج فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر المذكورون منهم في القرآن بأسماء الأعلام ثمانية وعشرون نبيا مُبَشِّرِينَ بالثواب لمن آمن وأطاع وَمُنْذِرِينَ يعني مخوفين بالعقاب لمن كفر وعصى، وإنما قدم البشارة على الإنذار لأن البشارة تجري مجرى حفظ الصحة للأبدان والإنذار يجري مجرى إزالة المرض، ولا شك أن المقصود هو الأول فكان أولى بالتقديم وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ أي الكتب أو يكون التقدير وأنزل مع كل واحد الكتاب بِالْحَقِّ أي بالعدل والصدق وجملة الكتب

<<  <  ج: ص:  >  >>