[سورة القيامة (٧٥): الآيات ٦ الى ١٣]
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠)
كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ أيّ متى يكون يوم القيامة والمعنى أن الكافر يسأل سؤال متعنت مستبعد لقيام السّاعة قال الله تعالى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ أي شخص البصر عند الموت فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا، وقيل تبرق أبصار الكفار عند رؤية جهنم، وقيل برق إذا فزع وتحير لما يرى من العجائب، وقيل برق أي شق عينه وفتحها من البريق وهو التلألؤ وَخَسَفَ الْقَمَرُ أي أظلم وذهب ضوءه، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يعني أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران، وقيل يجمع بينهما في ذهاب الضّوء، وقيل يجمعان ثم يقذفان في البحر فهناك نار الله الكبرى يَقُولُ الْإِنْسانُ يعني الكافر المكذب يَوْمَئِذٍ أي القيامة أَيْنَ الْمَفَرُّ أي المهرب وهو موضع الفرار كَلَّا أي لا ملجأ لهم يهربون إليه وهو قوله لا وَزَرَ أي لا حرز ولا ملجأ ولا جبل، وكانوا إذا فزعوا لجئوا إلى الجبل فتحصنوا به، فقيل لهم لا جبل لكم يومئذ تتحصنون به وأصل الوزر الجبل المنيع، وكل ما التجأت إليه وتحصنت به فهو وزر ومنه قول كعب بن مالك.
الناس آلت علينا فيك ليس لنا ... إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعصمهم من أمر الله تعالى لا حصن ولا جبل يوم القيامة يستندون إليه من النار إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
يعني مستقر الخلق وقال عبد الله بن مسعود: إليه المصير والمرجع وهو بمعنى الاستقرار، وقيل إلى ربك مستقرهم أي موضع قرارهم من جنة أو نار، وذلك مفوض إلى مشيئته فمن شاء أدخله الجنة برحمته ومن شاء أدخله النار بعدله يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
قال ابن مسعود وابن عباس: بما قدم قبل موته من عمل صالح أو سيئ وما أخر بعد موته من سنة حسنة، أو سيئة يعمل بها، وعن ابن عباس أيضا بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة، وقيل بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه، وقيل بأول عمله وآخره وهو ما عمله في أول عمره وفي آخره، وقيل بما قدم من ماله لنفسه قبل موته وما أخر من ماله لورثته.
[سورة القيامة (٧٥): الآيات ١٤ الى ٢١]
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١)
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
أي بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله وهي سمعه وبصره وجوارحه، وإنما دخلت الهاء في البصيرة لأن المراد من الإنسان جوارحه، وقيل معناه بل الإنسان على نفسه عين بصيرة وفي رواية عن ابن عباس بل الإنسان على نفسه شاهد فتكون الهاء للمبالغة كعلامة وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
يعني ولو اعتذر بكل عذر وجادل عن نفسه، فإنه لا ينفعه لأنه قد شهد عليه شاهد من نفسه، وقيل معناه ولو اعتذر فعليه من نفسه ما يكذب عذره، وقيل إن أهل اليمن يسمون السّتر معذارا وجمعه معاذير، فعلى هذا يكون معناه ولو أرخى السّتور وأغلق الأبواب ليخفي ما يعمل، فإن نفسه شاهدة عليه، وهذا في حق الكافر لأنه ينكر يوم القيامة فتشهد عليه جوارحه بما عمل في الدنيا.
قوله عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
(ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
قال كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التّنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه قال ابن جبير:
قال ابن عباس أنا أحركهما كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحركها فحرك شفتيه فأنزل الله عز وجل لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
قال: جمعه في صدرك ثم تقرأه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. قال فاستمع وأنصت