للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة يونس (١٠): الآيات ٤١ الى ٤٥]

وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)

وَإِنْ كَذَّبُوكَ يعني وإن كذبك قومك يا محمد فَقُلْ أي فقل لهم لِي عَمَلِي يعني الطاعة وجزاء ثوابها وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ يعني الشرك وجزاء عقابه أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ قيل: المراد منه الزجر والرجوع. وقال مقاتل والكلبي: هذه الآية منسوخة بآية السيف. قال الإمام فخر الدين الرازي: وهو بعيد لأن شرط الناسخ أن يكون رافعا الحكم المنسوخ. ومدلول الآية: اختصاص كل واحد بأفعاله وبثمرات أفعاله من الثواب والعقاب وآية القتال ما رفعت شيئا من مدلولات هذه الآية فكان القول بالنسخ باطلا.

قوله تعالى: وَمِنْهُمْ يعني ومن هؤلاء المشركين مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ يعني بأسماعهم الظاهرة ولا ينفعهم ذلك لشدة بغضهم وعداوتهم لك أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ يعني كما أنك لا تقدر على إسماع الصم فكذلك لا تقدر على إسماع من أصم الله سمع قلبه وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ يعني أن الله سبحانه وتعالى صرف قلوبهم عن الانتفاع بما يسمعون ولم يوفقهم لذلك فهم بمنزلة الجهال إذا لم ينتفعوا بما لم يسمعوا وهم أيضا كالصم الذين لا يعقلون شيئا ولا يفهمونه لعدم التوفيق وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ يعني بأبصارهم الظاهرة أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ يريد عمي القلوب وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ لأن الله أعمى بصائر قلوبهم فلا يبصرون شيئا من الهدى وفي هذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ولا تقدر أن تهدي من سلبته البصر ولا تقدر أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

قال العلماء: لما حكم الله عز وجل على أهل الشقوة بالشقاوة لقضائه وقدره السابق فيهم أخبر في هذه الآية أن تقدير الشقاوة عليهم ما كان ظلما منه لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء والخلق كلهم عبيدة وكل من تصرف في ملكه لا يكون ظالما وإنما قال ولكن الناس أنفسهم يظلمون لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب وإن كان قد سبق قضاء الله وقدره فيهم.

قوله سبحانه وتعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يعني: واذكر يا محمد يوم نجمع هؤلاء المشركين لموقف الحساب. وأصل الحشر: إخراج الجماعة وإزعاجهم من مكانهم كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يعني كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من النهار. وقيل: معناه كأنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار.

والوجه الأول أولى، لأن حال المؤمن والكافر سواء في عدم المعرفة بمقدار لبثهم في القبور إلى وقت الحشر، فتعين حمله على أمر يختص بحال الكافر وهو أنهم لما لم ينتفعوا بأعمارهم في الدنيا استقلوها. والمؤمن لما انتفع بعمره في الدنيا لم يستقله. وسبب استقلال الكفار: مدة مقامهم في الدنيا أنهم لما ضيعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص على ما فيها ولم يعملوا بطاعة الله فيها كان وجود ذلك كالعدم فلذلك استقلوه. وقيل: إنهم لما شاهدوا أهوال يوم القيامة وطال عليهم ذلك، استقلوا مدة مقامهم في الدنيا، لأن مقامهم في الدنيا في جنب مقامهم في الآخرة قليل جدا يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعني: يعرف بعضهم بعضا إذا خرجوا من قبورهم كما كانوا يتعارفون في الدنيا ثم تنقطع المعرفة بينهم إذا عاينوا أهوال يوم القيامة، وفي بعض الآثار: أن الإنسان يوم القيامة يعرف من بجنبه ولا يقدر أن يكلمه هيبة وخشية، وقيل: إن أحوال يوم القيامة مختلفة ففي بعضها يعرف بعضهم بعضا وفي بعضها ينكر بعضهم بعضا لهول ما يعاينون في ذلك اليوم قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ يعني أن

<<  <  ج: ص:  >  >>