قوله تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ قال ابن عباس: يعني ونحول بينهم وبين الإيمان فلو جئناهم بالآيات التي سألوها لما آمنوا بها. والتقليب هو تحويل الشيء وتحريكه عن وجهه إلى وجه آخر لأن الله تعالى إذا صرف القلوب والأبصار عن الإيمان بقيت على الكفر كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني كما لم يؤمنوا بما قبل ذلك من الآيات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وغير ذلك من المعجزات الباهرات، وقيل: أول مرة يعني الآيات التي جاء بها موسى وغيره من الأنبياء.
وقال ابن عباس: المرة الأولى دار الدنيا يعني لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا نقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة قبل مماتهم وفي الآية دليل على أن الله تعالى: يهدي من يشاء ويضل من يشاء وأن القلوب والأبصار بيده وفي تصريفه فيقيم ما شاء منها ويزيغ ما أراد منها ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فمعنى قوله بقلب أفئدتهم نزيغها عن الإيمان ونقلب أبصارهم عن رؤية الحق ومعرفة الصواب وإن جاءتهم الآية التي سألوها فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، فعلى هذا تكون الكناية في به عائدة على الإيمان بالقرآن وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل سؤالهم الآيات التي اقترحوها.
وقوله تعالى: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يعني ونترك هؤلاء المشركين الذين سبق علم الله أنهم لا يؤمنون في تمردهم على الله واعتدائهم عليه يترددون لا يهتدون إلى الحق.
قوله عز وجل: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ قال ابن جريج: نزلت في المستهزئين، وذلك أنهم أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش، فقالوا: يا محمد ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل وأرنا الملائكة يشهدن لك أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا فنزلت هذه الآية جوابا لهم. والمعنى:
ولو أنا نزلنا إليهم الملائكة حتى يشهدوا لك بالرسالة وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى يعني كما سألوا وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا يعني وجمعنا عليهم كل شيء قبلا قبيلا، قيل القبيل الكفيل بصحة ما تقول ما آمنوا وهو قوله: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يعني إلا أن يشاء الله الإيمان منهم وفيه دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله تعالى حتى الإيمان والكفر، وموضع المعجزة أن الأشياء المحشورة منها ناطق ومنها صامت فإذا أنطق الله الكل حتى يشهدوا له بصحة ما يقول كان ذلك في غاية الإعجاز. وقيل قبلا من المقابلة والمواجهة، والمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء مواجهة ومعاينة ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أخبر الله أن الإيمان بمشيئة الله لا كما ظنوا أنهم متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا لم يؤمنوا، وقال ابن عباس: ما كانوا ليؤمنوا هم أهل الشقاء إلا أن يشاء الله هم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أنهم يدخلون في الإيمان. وصحح الطبري قول ابن عباس قال: لأن الله عم بقوله ما كانوا ليؤمنوا القوم الذين تقدم ذكرهم في قوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها ثم استثنى منهم أهل السعادة وهم الذين شاء لهم الإيمان.
قوله تعالى: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ يعني يجهلون أن ذلك كذلك ويحسبون أن الإيمان إليهم متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا كفروا، وليس الأمر كذلك بل الإيمان والكفر بمشيئة الله تعالى فمن شاء له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وفي هذا دليل لمذهب أهل السنة أن الأشياء كلها بمشيئة الله تعالى ورد على القدرية والمعتزلة في قولهم: إن الله أراد الإيمان من جميع الكفار.