للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكة والأمم الخالية مِنْ رَسُولٍ يعني يدعوهم إلى الإيمان والطاعة إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ قال الله تعالى أَتَواصَوْا بِهِ أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضا بالتكذيب وتواطؤوا عليه وفيه توبيخ لهم بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ أي لم يتواصلوا بهذا القول لأنهم لم يتلاقوا على زمان واحد بل جمعتهم على ذلك علة واحدة وهي الطغيان وهو الحامل لهم على ذلك القول فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي أعرض عنهم فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ أي لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وبذلت المجهود وما قصرت فيما أمرت به.

قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واشتد على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتولى عنهم فأنزل الله عز وجل: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فطابت نفوسهم بذلك والمعنى عظ بالقرآن كفار مكة فإن الذكرى تنفع من علم الله أنه يؤمن منهم وقيل: معناه عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.

قوله عز وجل: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ أي من المؤمنين إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قيل هذا خاص بأهل طاعته من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس «وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون» وقيل: معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي وهو ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة. وقال علي بن أبي طالب إلا ليعبدون أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي. وقيل: معناه إلا ليعرفوني وهذا حسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده. وقيل: معناه إلا ليخضعوا لي ويتذللوا لأن معنى العبادة في اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله متذلل للمشيئة لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق له. وقيل: معناه إلا ليوحدوني فأما المؤمن فيوحده اختيارا في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده اضطرارا في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ أي ما أريد أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم لأني أنا الرزاق المتكفل لعبادي بالرزق القائم لكل نفس بما يقيمها من قوتها وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ أي أن يطعموا أحدا من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق كلهم عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه لما صح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي» أخرجه مسلم ثم بين أن الرزاق هو لا غيره فقال تعالى:

[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٥٨ الى ٦٠]

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ أي لجميع خلقه ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ يعني هو القوي الشديد المقتدر البليغ القوة والقدرة الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي من أهل مكة ذَنُوباً أي نصيبا من العذاب مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود فَلا يَسْتَعْجِلُونِ أي بالعذاب لأنهم أخروا إلى يوم القيامة يدل عليه قوله عز وجل فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يعني يوم القيامة وقيل: يوم بدر والله تعالى أعلم بمراده.

<<  <  ج: ص:  >  >>