وَهُوَ يَخْشى أي الله عز وجل فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أي تتشاغل وتعرض عنه كَلَّا أي لا تفعل بعدها مثلها إِنَّها يعني الموعظة وقيل آيات القرآن تَذْكِرَةٌ أي موعظة للخلق فَمَنْ شاءَ أي من عباد الله ذَكَرَهُ أي اتعظ به يعني القرآن ثم وصف جلالة القرآن، ومحله عنده فقال عز وجل فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ يعني القرآن في اللّوح المحفوظ مَرْفُوعَةٍ أي رفيعة القدر عند الله، وقيل مرفوعة في السّماء السابعة مُطَهَّرَةٍ يعني الصحف لا يمسها إلا المطهرون، وهم الملائكة بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قال ابن عباس: يعني كتبة، وهم الملائكة الكرام الكاتبون، واحدهم سافر ومنه قيل للكتاب سفر، وقيل هم الرّسل من الملائكة إلى الأنبياء واحدهم سفير، ثم أثنى عليهم. بقوله:
كِرامٍ أي هم كرام على الله بَرَرَةٍ أي مطيعين له جمع بار.
قوله عز وجل: قُتِلَ الْإِنْسانُ أي لعن الكافر وطرد ما أَكْفَرَهُ أي أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه، وأياديه عنده وهذا على سبيل التّعجب، أي أعجبوا من كفره وقيل معناه أي شيء حمله على الكفر، نزلت هذه الآية في عتبة بن أبي لهب، وقيل في أمية بن خلف، وقيل في الذين قتلوا يوم بدر، وقيل الآية عامة في كل كافر، ثم بين من أمره ما كان ينبغي أن يعلم أن الله تعالى: خالقه منه فقال تعالى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ لفظه استفهام ومعناه التّقرير، ثم فسر ذلك فقال تعالى مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ يعني خلقه أطوارا نطفة ثم علقة، ثم مضغة، إلى آخر خلقه، وقيل قدره يعني خلق رأسه، وعينيه ويديه، ورجليه على قدر ما أراده ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ أي سهل له طريق خروجه من بطن أمه، وقيل سهل له العلم بطريق الحق والباطل، وقيل يسر على كل أحد ما خلق له وقدر عليه. ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ أي جعل له قبرا يوارى فيه، وقيل جعله مقبورا، ولم يجعله ملقى للسّباع، والوحوش والطّيور، أو أقبره معناه ستره الله بحيث يقبر وجعله ذا قبر يدفن فيه، وهذه تكرمة لبني آدم على سائر الحيوانات. ثم قال تعالى: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ أي أحياه بعد موته للبعث، والحساب وإنما قال تعالى ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ لأن وقت البعث غير معلوم لأحد فهو إلى مشيئة الله تعالى متى شاء أن يحيي الخلق أحياهم كَلَّا ردع وزجر للإنسان عن تكبره وتجبره وترفعه، وعن كفره وإصراره على إنكار التوحيد، وإنكار البعث والحساب لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ أي لم يفعل ما أمره به ربه، ولم يؤد ما فرض عليه، ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر فإنه موضع الاعتبار فقال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ إلى قدرة ربه فيه أي كيف قدره ربه، ويسره ودبره له وجعله سببا لحياته، وقيل مدخل طعامه ومخرجه. ثم بين ذلك فقال تعالى: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا يعني المطر.
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا أي بالنبات فَأَنْبَتْنا فِيها أي بذلك الماء حَبًّا يعني الحبوب التي يتغدى بها الإنسان وَعِنَباً يعني أنه غذاء من وجه، وفاكهة من وجه، فلهذا أتبعه الحب وَقَضْباً يعني القت وهو الرطب سمي بذلك لأنه يقتضب، أي يقطع في كل الأيام، وقيل القضب هو العلف كله الذي تعلف به الدواب.