للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدجال لأن اليهود أتباعه وأشياعه وأجيب عنه بأن ذلك العز الذي يحصل لهم هو في نفسه غاية الذلة لأنهم يدعون إلهية الدجال فيزدادون كفرا على كفرهم فإذا هلك الدجال أهلكهم المسلمون وقتلوهم جميعا فذلك هو الذلة والصغار المشار إليه بقوله تعالى ليبعثن عليهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ وهذا نص في أن العذاب إنما يحصل لهم في الدنيا مستمرا عليهم إلى يوم القيامة ولهذا فسر هذا العذاب بالإهانة والذلة وأخذ الجزية منهم فإذا أفضوا إلى الآخرة كان عذابهم أشد وأعظم وهو قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ يعني لمن أقام على الكفر ففيه دليل على أنه يجمع لهم مع ذلة الدنيا عذاب الآخرة فيكون العذاب مستمرا عليهم في الدنيا والآخرة، ثم ختم الآية بقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ يعني لمن آمن منهم ورجع عن الكفر واليهودية ودخل في دين الإسلام.

قوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً يعني وفرقنا بني إسرائيل في الأرض جماعات متفرقة فلا تجد بلدا إلا وفيه من اليهود طائفة وجماعة، قال ابن عباس: كل أرض يدخلها قوم من اليهود مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ يعني من هؤلاء الذين وصفهم الله من بني إسرائيل صالحون وهم من آمن بالله ورسوله وثبت منهم على دينه قبل مبعث عيسى عليه الصلاة والسلام وإنما وصفهم بذلك قبل ارتدادهم عن دينهم وكفرهم بربهم ذكره الطبري ولم يذكر غيره، وروى البغوي وغيره من المفسرين عن ابن عباس ومجاهد: إن المراد بالصالحين الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود وآمنوا به والصحيح ما ذكره الطبري يدل عليه قوله بعد فخلف من بعدهم خلف والخلف إنما كان بعد هؤلاء الذين وصفهم بالصلاح من بني إسرائيل.

وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ يعني الذين كفروا من بني إسرائيل وبدلوا وغيروا وَبَلَوْناهُمْ يعني جميعا الصالح وغيره وهي بلوى اختبار وامتحان بِالْحَسَناتِ يعني الخصب والعافية وَالسَّيِّئاتِ يعني الجدب والشدة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني لكي يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا إليه. قال أهل المعاني: كل واحدة من الحسنات والسيئات إذا فسرت بالنعم والشدة تدعو إلى طاعة الله تعالى أما النعمة فيزداد عليها شكرا فيرغب في الطاعة وأما الشدة فيخاف سوء عاقبتها فيرهب منها.

[[سورة الأعراف (٧): آية ١٦٩]]

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩)

قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد هؤلاء الذين وصفناهم قوله تعالى: خَلْفٌ يعني خلف سوء يعني حدث من بعدهم وتبدل منهم بدل سوء يقال منه هو خلّف صدق بفتح اللام وخلف سوء بسكونها فأكثر ما يقال في المدح بفتح اللام وفي الذم بسكونها وقد تحرك في الذم وتسكن في المدح قال حسان بن ثابت في المدح:

لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة الله تابع

فسكن اللام في قوله وخلفنا وهو يريد المدح وقال لبيد في الذم:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب

ففتح اللام وهو يريد الذم وأصله من الفساد. يقال: خلف اللبن إذا فسد وتغير في السقاء ويقال للرديء من القول: خلف وخلف الشيء تغيره، ومنه خلوف فم الصائم والمعنى جاء من بعد هؤلاء الذين وصفناهم

<<  <  ج: ص:  >  >>