للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأن طعم الزنجبيل ... به إذ ذقته سلافة الخمر

فلما كان الزنجبيل مستطابا عند العرب وصف الله تعالى شراب أهل الجنة بذلك، وقيل إن شرب أهل الجنة على برد الكافور، وطعم الزنجبيل وريح المسك قال ابن عباس: كل ما ذكر الله تعالى في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له مثل في الدنيا، وذلك لأن زنجبيل الجنة لا يشبه زنجبيل الدنيا عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا أي سلسلة منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤوا وقيل حديدة الجرية سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليها في طرقهم، ومنازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى سائر الجنان، وقيل سميت بذلك لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق ومعنى تسمى أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلا صفة لا اسم وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ أي في الخدمة وقيل مخلدون مسرورون ومقرطون إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً يعني في بياض اللؤلؤ الرطب وحسنه، وصفائه، واللؤلؤ إذا انتثر على البساط كان أصفى منه منظوما، وقيل إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة.

قوله عز وجل: وَإِذا رَأَيْتَ قيل الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقيل لكل واحد ممن يدخل الجنة والمعنى إذا رأيت ببصرك ونظرت به ثَمَّ يعني إلى الجنة رَأَيْتَ نَعِيماً أي لا يوصف عظمه وَمُلْكاً كَبِيراً قيل هو أن أدناهم منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه، وقيل هو أن رسول رب العزة من الملائكة لا يدخل عليه إلا بإذنه وهو استئذان الملائكة عليهم وقيل معناه ملكا لا زوال له ولا انتقال عالِيَهُمْ أي فوقهم ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وهو ما رق من الديباج وَإِسْتَبْرَقٌ وهو ما غلظ منه وكلاهما داخل في اسم الحرير وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً يعني طاهرا من الأقذار والأردان لم تمسه الأيدي، ولم تدنسه الأرجل كخمر الدنيا وقيل إنه لا يستحيل بولا، ولكنه يستحيل رشحا في أبدانهم كرشح المسك، وذلك أنهم يؤتون بالطعام ثم من بعده يؤتون بالشراب الطهور فيشربون منه فتطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحا يخرج من جلودهم أطيب من المسك الأذفر، وتضمر بطونهم وتعود شهواتهم، وقيل الشراب الطهور هو عين ماء على باب الجنة من شرب منه نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد.

[سورة الإنسان (٧٦): الآيات ٢٢ الى ٢٨]

إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦)

إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨)

إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً أي يقال لأهل الجنة بعد دخولهم فيها ومشاهدتهم نعيمها. إن هذا كان لكم جزاء قد أعده الله لكم إلى هذا الوقت. فهو لكم بأعمالكم، وقيل هو إخبار من الله تعالى لعباده المؤمنين أنه قد أعده لهم في الآخرة وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً أي شكرتكم عليه وآتيتكم أفضل منه، وهو الثواب، وقيل شكر الله لعباده هو رضاء منهم بالقليل من الطاعة وإعطاؤه إياهم الكثير من الخيرات.

قوله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ أي يا محمد الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا قال ابن عباس: متفرقا آية بعد آية ولم ننزله جملة واحدة، والمعنى أنزلنا عليك القرآن متفرقا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين، والمقصود من ذلك تثبيت قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشرح صدره وإن الذي أنزله إليه وحي منه ليس بكهانة، ولا سحر لتزول تلك الوحشة التي حصلت له من قول الكفار إنه سحر أو كهانة. فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي لعبادته فهي من

<<  <  ج: ص:  >  >>