للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة هود (١١): الآيات ٦٠ الى ٦٣]

وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣)

وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً يعني أردفوا لعنة تتبعهم وتلحقهم وتنصرف معهم واللعنة الطرد والإبعاد من رحمة الله وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يعني وفي يوم القيامة أيضا تتبعهم اللعنة كما تتبعهم في الدنيا، ثم ذكر سبحانه وتعالى السبب الذي استحقوا به هذه اللعنة فقال سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أي كفروا بربهم أَلا بُعْداً لِعادٍ يعني هلاكا لهم وقيل بعدا عن الرحمة.

فإن قلت: اللعنة معناها الإبعاد والهلاك فما الفائدة في قوله ألا بعدا لعاد لأن الثاني هو الأول بعينه.

قلت: الفائدة فيه أن التكرار بعبارتين مختلفتين يدل على نهاية التأكيد وأنهم كانوا مستحقين له قَوْمِ هُودٍ عطف بيان لعاد.

فإن قلت: هذا البيان حاصل مفهوم فما الفائدة في قوله قوم هود؟

قلت: إن عادا كانوا قبيلتين عاد الأولى القديمة التي هم قوم هود وعاد الثانية وهم إرم ذات العماد وهم العماليق فأتى بقوله قوم هود ليزول الاشتباه وجواب آخر وهو أن المبالغة في التنصيص تدل على تقوية التأكيد.

قوله عز وجل: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً يعني وأرسلنا إلى ثمود وهم سكان الحجر أخاهم صالحا يعني في النسب لا في الدين قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحدوا الله وخصوه بالعبادة ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام ثم ذكر سبحانه وتعالى الدلائل الدالة على وحدانيته وكمال قدرته فقال تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني أنه هو ابتدأ خلقكم من الأرض وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها يعني وجعلكم عمارها وسكانها، وقال الضحاك: أطال أعماركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذلك كان قوم عاد وقال مجاهد: أعمركم من العمرى أي جعلها لكم ما عشتم فَاسْتَغْفِرُوهُ يعني: من ذنوبكم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يعني من الشرك إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ يعني من المؤمنين مُجِيبٌ لدعائهم قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا يعني: قبل هذا القول الذي جئت به والمعنى إنا كنا نرجو أن تكون فينا سيدا لأنه كان من قبيلتهم وكان يعين ضعيفهم ويغني فقيرهم، وقيل: معناه أنا كنا نطمع أن تعود إلى ديننا فلما أظهر دعاءهم إلى الله وعاب الأصنام انقطع رجاؤهم منه أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا يعني الآلهة وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ يعني من عبادة الله مُرِيبٍ يعني انا مرتابون في قولك من أرابه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس ووقوعها في التهمة قالَ يعني قال صالح مجيبا لقومه يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني على يقين وبرهان وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً يعني نبوة وحكمة فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ أي فمن يمنعني من عذاب الله إِنْ عَصَيْتُهُ يعني إن خالفت أمره فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ قال ابن عباس معناه غير خسارة في خسارتكم وقال الحسن بن الفضل: لم يكن صالح في خسارة حتى يقول فما تزيدونني غير تخسير وإنما المعنى فما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إلى الخسارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>