بعض الحروف يقوم مقام بعض فيكون المعنى هل ينظرون إلّا أن يأتيهم الله بظلل من الغمام والملائكة، والمراد العذاب الذي يأتي من الغمام مع الملائكة، وقيل معناه ما ينظرون إلّا أن يأتيهم قهر الله وعذابه في ظلل من الغمام. فإن قلت: لم كان إتيان العذاب في الغمام؟ قلت: لأن الغمام مظنة الرحمة ومنه ينزل المطر، فإذا نزل منه العذاب كان أعظم وأفظع وقيل إن نزول الغمام علامة لظهور القيامة وأهوالها وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي وجب العذاب وفرغ من الحساب، وذلك فصل الله القضاء بين العباد يوم القيامة وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
أي إلى الله تصير أمور العباد في الآخرة. فإن قلت: هل كانت ترجع إلى غيره؟ قلت: إن أمور جميع العباد ترجع إليه في الدنيا والآخرة، ولكن المراد من هذا إعلام الخلق إنه المجازي على الأعمال بالثواب والعقاب، وجواب آخر وهو أنه لما عبد قوم غيره في الدنيا أضافوا أفعاله إلى سواه ثم فإذا كان يوم القيامة وانكشف الغطاء ردوا إلى الله ما أضافوه إلى غيره في الدنيا. قوله عز وجل: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يسأل يهود المدينة، وليس المراد بهذا السؤال العلم بالآيات لأنه كان صلّى الله عليه وسلّم قد علمها بإعلام الله إياه، ولكن المراد بهذا السؤال التقريع والتوبيخ والمبالغة في الزجر عن الإعراض عن دلائل الله وترك الشكر، وقيل المراد بهذا السؤال التقرير وتذكير النعم التي أنعم بها على سلفهم كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ أي من دلالة واضحة على نبوة موسى عليه السلام مثل العصا واليد البيضاء وفلق البحر وإنزال المن والسلوى وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ يعني يغير الآية التي جاءته من الله لأنها هي سبب الهدى والنجاة من الضلالة، وقيل هي حجج الله الدالة على نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وذلك أنهم أنكروها وبدلوها، وقيل المراد بنعم الله عهده الذي عهد إليهم فلم يفوا به فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ يعني لمن بدل نعمة الله. قوله عز وجل:
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا نزلت في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه لأنهم كانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد، وقيل: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه. وقيل: نزلت في رؤساء اليهود. ويحتمل أنها نزلت في الكلّ. والمزين هو الله تعالى بدليل قراءة من قرأ زين بفتح الزاي وذلك أنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى هو المزين لهم بما أظهره في الدنيا من الزهرة والنضارة والطيب واللذة وخلق الأشياء العجيبة والمناظر الحسنة، وإنما فعل ذلك ابتلاء العبادة وذلك أنه جعل دار الدنيا ابتلاء وامتحان وركب في الطباع الميل إلى اللذات وحب الشهوات لا على سبيل الإلجاء والقسر الذي لا يمكن تركه، بل على سبيل التحبب الذي تميل النفس إليه مع إمكان. ردها عنه فنظر الخلق إلى الدنيا أكثر من قدرها فأعجبهم حسنها وزهرتها وزينتها فأحبوها وفتنوا بها. وقيل: إن المراد من التزيين أنه تعالى أمهلهم في الدنيا حتى أقبلوا عليها وأحبوها، فكان هذا الإمهال هو التزين. وقيل: إن المزين هو الشيطان وغواة الجن والإنس، وذلك أنهم زينوا للكفار الحرص على الدنيا وطلبها وقبحوا لهم أمر الآخرة. وقيل: أوهموهم أن لا آخرة ليقبلوا على لذات الدنيا وطلب الحرص عليها، وهذا التأويل ضعيف لأن قوله تعالى زين الذين كفروا يتناول جميع الكفار فيدخل فيه الشيطان وغواة الجن والإنس وأن كلهم مزين لهم وهذا المزين لا بد وأن يكون مغايرا لهم فثبت بهذا ضعف قول المعتزلة وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني أن الكفار يستهزئون بفقراء المؤمنين، قال ابن عباس: مثل عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيب وبلال ونظرائهم. وقيل: كانوا يقولون انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم وَالَّذِينَ اتَّقَوْا يعني الفقراء من المؤمنين فَوْقَهُمْ أي فوق الكفار يَوْمَ الْقِيامَةِ لأن الفقراء في عليين والكفار والمنافقين في أسفل السافلين (ق) عن حارثة بن وهب أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ألا أخبركم