للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرآن وَهُوَ الْحَقُّ يعني القرآن مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ يعني التوراة قُلْ يا محمد فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إنما أضاف القتل للمخاطبين من اليهود، وإن كان سلفهم قتلوا لأنهم رضوا بفعلهم قيل: إذا عملت المعصية في الأرض فمن كرهها وأنكرها بريء منها، ومن رضيها كان من أهلها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتل الأنبياء. قوله عز وجل وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ أي بالدلالات الواضحة والمعجزات الباهرة ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد موسى لما ذهب إلى الميقات وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ إنما كرره تبكيتا لهم وتأكيدا للحجة عليهم وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا أي استجيبوا وأطيعوا أي فيما أمرتم به قالُوا سَمِعْنا يعني قولك وَعَصَيْنا يعني أمرك وقيل إنهم لم يقولوا بألسنتهم، ولكن لما سمعوه وتلقوه تلقوه بالعصيان فنسب ذلك إليهم وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ أي تداخل حبه في قلوبهم والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ في الثوب. وقيل: إن موسى أمر أن يبرد العجل ويذرى في النهر وأمرهم أن يشربوا منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل، ظهر سحالة الذهب على شاربه قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ أي بأن تعبدوا العجل والمعنى بئس الإيمان إيمان يأمر بعبادة العجل إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي بزعمكم وذلك أنهم قالوا: نؤمن بما أنزل علينا فكذبهم الله تعالى بذلك في قوله تعالى:

[سورة البقرة (٢): الآيات ٩٤ الى ٩٦]

قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)

قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ وذلك أن اليهود ادعوا دعاوى باطلة منها قولهم: لن يدخل الجنة إلّا من كان هودا وقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه فكذبهم الله وألزمهم الحجة فقال: قل يا محمد لليهود إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة خالصة لكم دون الناس فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أي فاطلبوه واسألوه لأن من علم أن الجنة مأواه وأنها له حن إليها ولا سبيل إلى دخولها إلّا بعد الموت فاستعجلوه بالتمني إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في قولكم ودعواكم، روي ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلّا مات» قال الله تعالى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً أي لعلمهم أنهم في دعواهم كاذبون بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني من الأعمال السيئة، وإنما أضاف العمل إلى اليد لأن أكثر جنايات الإنسان تكون من يده وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ فيه تخويف وتهديد لهم، وإنما خصهم بالظلم لأنه أعم من الكفر لأن كل كافر ظالم وليس كلّ ظالم كافرا فلهذا كان أعم وكانوا أولى به وَلَتَجِدَنَّهُمْ اللام للقسم والنون للتوكيد تقديره والله لتجدنهم يا محمد يعني اليهود أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ أي حياة متطاولة، والحرص أشد الطلب وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا قيل هو متصل بما قبله ومعطوف عليه والمعنى وأحرص من الذين أشركوا. فإن قلت:

الذين أشركوا قد دخلوا تحت الناس في قوله أحرص الناس فلم أفردهم بالذكر؟. قلت: أفردهم بالذكر لشدّة حرصهم وفيه توبيخ عظيم لليهود لأن الذين لا يؤمنون بالمعاد ولا يعرفون إلّا الحياة الدنيا لا يستبعد حرصهم عليها، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالبعث والجزاء كان حقيقا بالتوبيخ العظيم وقيل: إن الواو واو استئناف تقديره ومن الذين أشركوا أناس يَوَدُّ أَحَدُهُمْ وهم المجوس سموا بذلك لأنهم يقولون:

بالنور والظلمة يود أن يتمنى أحدهم لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ أي تعمير ألف سنة وإنما خص الألف لأنها نهاية العقود

<<  <  ج: ص:  >  >>