عربية فصيحة وإن كانت غير عربية في الأصل لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم وصارت لهم لغة، فظهر بهذا البيان صحة القولين وأمكن الجمع بينهما لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ يعني تفهمون أيها العرب لأنه نازل بلغتكم قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ الأصل في معنى القصص اتباع الخبر بعضه بعضا والقاص هو الذي يأتي بالخبر على وجهه وأصله في اللغة من قصص الأثر إذا تتبعه وإنما سميت الحكاية قصة لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئا فشيئا والمعنى نحن نبين لك يا محمد أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية أحسن البيان وقيل المراد منه قصة يوسف عليه الصلاة والسلام خاصة وإنما سماها أحسن القصص لما فيها من العبر والحكم والنكت والفوائد التي تصلح للدين والدنيا وما فيها من سير الملوك والمماليك والعلماء ومكر النساء والصبر على أذى الأعداء وحسن التجاوز عنهم بعد اللقاء وغير ذلك من الفوائد المذكورة في هذه السورة الشريفة. قال خالد بن معدان: سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة. قال عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها.
وقوله تعالى: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعني بإيحائنا إليك يا محمد هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ أي وقد كنت مِنْ قَبْلِهِ يعني من قبل وحينا إليك لَمِنَ الْغافِلِينَ يعني عن هذه القصة وما فيها من العجائب قال سعد بن أبي وقاص: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله عز وجل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فأنزل الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فقالوا يا رسول الله لو ذكرتنا فأنزل الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ قوله عز وجل:
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ أي اذكر يا محمد لقومك قول يوسف لأبيه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وعليهم أجمعين (خ) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ويوسف اسم عبري ولذلك لا يجري فيه الصرف وقيل هو عربي سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف فقال الأسف أشد الحزن والأسيف العبد واجتمعا في يوسف فسمي به يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ معناه قال أهل التفسير: رأى يوسف في منامه كأن أحد عشر كوكبا نزلت من السماء ومعها الشمس والقمر فسجدوا له وكانت هذه الرؤيا ليلة الجمعة وكانت ليلة القدر وكان النجوم في التأويل إخوته وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم والشمس أبوه والقمر أمه في قول قتادة، وقال السدي: القمر خالته لأن أمه راحيل كانت قد ماتت. وقال قتادة وابن جريج:
القمر أبوه والشمس أمه لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل:
سبع عشرة سنة وقيل سبع سنين وأراد بالسجود تواضعهم له ودخولهم تحت أمره وقيل أراد به حقيقة السجود لأنه كان في ذلك الزمان التحية فيما بينهم السجود.
فإن قلت: إن الكواكب جماد لا تعقل فكيف عبر عنها بكناية من يعقل في قوله رأيتهم ولم يقل رأيتها وقوله: ساجدين ولم يقل ساجدات.
قلت: لما أخبرنا عنها بفعل من يعقل وهو السجود كنى عنها بكناية من يعقل فهو كقوله يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ وقيل إن الفلاسفة والمنجمين يزعمون أن الكواكب أحياء نواطق حساسة فيجوز أن يعبر عنها