وَالْمُحْصَناتُ يعني حرمت المحصنات مِنَ النِّساءِ وأصل الإحصان في اللغة المنع والحصان بالفتح المرأة العفيفة ويطلق الإحصان على المرأة ذات الزوج والحرة والعفيفة والمرأة المسلمة والمراد من الإحصان في قوله والمحصنات ذوات الأزواج من النساء فلا يحل لأحد نكاحهن قبل مفارقة أزواجهن وهذه هي السابعة من النساء التي حرمن بالسبب. قال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية في نساءكن هاجرن إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولهن أزواج فتزوجن ببعض المسلمين ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهي الله المسلمين عن نكاحهن ثم استثنى فقال تعالى: إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني السبايا اللاتي سبين ولهن أزواج في دار الحرب، فيحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء لأن السبي يرتفع به النكاح بينها وبين زوجها قال أبو سعيد الخدري: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا إلى أوطاس فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين فكرهوا غشيانهن فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال ابن مسعود: أراد أنه إذا باع الجارية المزوجة فتقع الفرقة بينها وبين زوجها ويكون بيعها طلاقا فيحل للمشتري وطؤها. وقال عطاء: أراد بقوله إلا ما ملكت أيمانكم أن تكون أمته في نكاح عبده فيجوز له أن ينتزعها منه وقيل أراد بالمحصنات من النساء الحرائر ومعناه أن ما فوق الأربع منهن فإنه عليكم حرام إلا ما ملكت أيمانكم فإنه لا عدد عليكم في الجواري ولا حصر كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني حرمت عليكم أمهاتكم وكتب عليكم هذا كتابا وقيل معناه الزموا كتاب الله وقيل معناه كتابا من الله عليكم بمعنى كتب الله تحريم ما حرم عليكم من ذلك وتحليل ما حلل كتابا وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ يعني وأحل الله لكم ما سوى ذلكم الذي ذكر من المحرمات. وظاهر هذه الآية يقتضي حل ما سوى المذكورين من الأصناف المحرمات، لكن قد دل الدليل من السنة بتحريم أصناف أخر سوى ما ذكر فمن ذلك أنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ومن ذلك المطلقة ثلاثا لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره ومن ذلك نكاح المعتدة فلا تحل للأزواج حتى تنقضي عدتها ومن ذلك أن من كان في نكاحه حرة لم يجز له أن يتزوج بأمة والقادر على طول الحرة لم يجز له أن يتزوج بالأمة ومن ذلك أن من كان عنده أربع نسوة حرم عليه أن يتزوج بخامسة ومن ذلك الملاعنة فإنها محرمة على الملاعن بالتأبيد فهذه أصناف من المحرمات سوى ما ذكر في الآية فعلى هذا يكون قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ورد بلفظ العموم لكن العموم دخله التخصيص فيكون عاما مخصوصا. وقوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ فيه إضمار تقديره وأحل لكم أن تبتغوا أي تطلبوا بأموالكم أن تنكحوا بصداق أو تشتروا بثمن. وفي الآية دليل على أن الصداق لا يتقدر بشيء فيجوز على القليل والكثير لإطلاق قوله تعالى: أن تبتغوا بأموالكم مُحْصِنِينَ يعني متزوجين وقيل متعففين غَيْرَ مُسافِحِينَ يعني غير زانين والسفاح الفجور وأصله من السفح وهو الصب وإنما سمي الزنى سفاحا لأن الزاني لا غرض له إلا صب النطفة فقط. قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ اختلفوا في معناه فقال الحسن ومجاهد: أراد ما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بنكاح صحيح لأن أصل الاستمتاع في اللغة الانتفاع وكل ما انتفع به فهو متاع فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني مهورهن وإنما سمي المهر أجرا لأنه بدل المنافع ليس بدل الأعيان كما سمي بدل منافع الدار والدابة أجرا. وقال قوم المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدة معلومة بشيء معلوم فإذا انقضت تلك المدة بانت منه بغير طلاق ويستبرئ رحمها وليس بينهما ميراث وكان هذا في ابتداء الإسلام ثم نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المتعة فحرمها (م) عن سبرة بن معبد