الطبري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن أول ثلة تدخل الجنة فقراء المهاجرين الذين يتقى بهم المكاره إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم تقض له حتى يموت وهي في صدره. فإن الله عز وجل يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي، ادخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي فتدخل الملائكة عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. قال بعضهم في هذه الآية تعليم من الله تعالى لعباده كيف يدعى وكيف يبتهل إليه ويتضرع وتكرير ربنا من باب الابتهال وإعلام بما يوجب حسن الإجابة. وقال جعفر الصادق من حزبه أمر فقال خمس مرات: ربنا نجّاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ هذه الآية وقال الحسن حكى الله عنهم أنهم قالوا خمس مرات ربنا ثم أخبر أنه استجاب لهم.
قوله عز وجل: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ نزلت في المشركين وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد فأنزل الله تعالى هذه الآية لا يغرنك الخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمراد به غيره من الأمة لأنه صلّى الله عليه وسلّم لم يغتر قط والمعنى لا يغرنك أيها السامع تقلب الذين كفروا في البلاد يعني ضربهم في الأرض وتصرفهم في البلاد للتجارات وطلب الأرباح والمكاسب مَتاعٌ قَلِيلٌ أي ذلك متاع قليل وبلغة فانية ونعمة زائلة ثُمَّ مَأْواهُمْ يعني مصيرهم في الآخرة جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ أي وبئس الفراش هي: قوله تعالى: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ فيما أمرهم به من العمل بطاعته واتباع مرضاته واجتناب ما نهاهم عنه من معاصيه لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا أي جزاء وثوابا والنزل ما يهيأ للضيف عند قدومه مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني من فضل الله وكرمه وإحسانه وَما عِنْدَ اللَّهِ يعني من الخير والكرامة والنعيم الدائم الذي لا ينقطع خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ يعني ذلك الفضل والنعمة التي أعدها الله للمطيعين الأبرار خير مما يتقلّب فيه هؤلاء الكفار من نعيم الدنيا ومتاعها فإنه قليل زائل (ق) عن عمر بن الخطاب قال: جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو في مشربة وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه قرظ مصبور وعند رأسه أهب معلقة فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم وأنت رسول الله فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة. لفظ البخاري المشربة الغرفة والعلية والمشارب العلالي. قوله عز وجل:
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ قال ابن عباس نزلت في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة ومعناه بالعربية عطية وذلك إنه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم النجاشي. فخرج إلى البقيع وكشف له إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي فصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له فقال